لكل ما طال به الدهر أمد

لِكُلِّ ما طالَ بِهِ الدَهرُ أَمَد

لا والِداً يُبقي الرَدى وَلا وَلَد

يا راقِداً تَسُرُّهُ أَحلامُهُ

رَقَدتَ وَالحِمامُ عَنكَ رَقَد

لا تُكذِبَن إِنَّ الحَياةَ عارَةٌ

وَأَيُّما عارِيَةٍ لا تُستَرَد

وَالدَهرُ ذو غَوائِلٍ لا تُتَّقى

أَحداثُهُ وَالمَوتُ بَعدُ بِالرَصَد

أَينَ المُلوكُ الصيدُ ما أَغناهُمُ

ماجَمَعوهُ مِن عَديدٍ وَعَدَد

أَورَدَهُم ساقي الحِمامِ مَورِداً

سَواءٌ الجِلَّةُ فيهِ وَالنَقَد

وَيحَ اللَيالي كُلَّ يَومٍ صاحِباً

تُنزِحُ مِنّا وَحَبيباً تَبتَعِد

أَينَ لَيالينا عَلى كا ظِمِةٍ

أَيّامَ عودُ شَملِنا لَم يَنحَصِد

وَالدَهرُ لَم تَفطَن لَنا صُروفُهُ

بَعدُ وَأَشراكُ المَنايا لَم تُمَد

يا حادِيَ الأَظعانِ في آثارِكُم

مُهجَةُ مَسلوبِ العَزاءِ وَالجَلَد

فاجَأَهُ يَومُ الفِراقِ بَغتَةً

لَم يَتَأَهَّب لِلنَوى وَلا اِستَعَد

قَد أَنَّسَت عَينِيَ مُذ تَوَحَّشَت

دِيارُكُم إِلى الدُموعِ وَالسُهَد

يَعرِفُها القَلبُ عَلى خَرابِها

وَالطَرفُ قَد أَنكَرَ مِنها ماعَهَد

لا أَلِفَت بَعدَكُمُ العَينُ الكَرى

وَلا حَلا بَعدَكُمُ العَيشُ النَكِد

يا بِأَبي النائي البَعيدِ شَخصُهُ

وَلا نَأى مَزارُهُ وَلا بَعِد

ضَلَّت طَريقُ الصَبرِ بَعدَ فَقدِهِ

لا وُجِدَ الصَبرُ وَأَنتَ المُفتَقَد

مَدَّ إِلَيكَ حادِثُ الدَهرِ يَداً

لَيسَ عَليها قَوَدٌ وَلا أَوَد

يا ساكِنَ اللَحدِ الَّذي أَفرَدَني

مِن لاعِجِ الشَوقِ بِمِثلِ ما اِنفَرَد

إِن كُنتَ في ثَوبِ العُلى فَإِنَّني

بَعدَكَ في ثَوبِ نُحولٍ وَكَمَد

يا موحِشَ الأَرضِ عَلَيَّ فَقدُهُ

حَتّى كَأَن لَيسَ عَلى الأَرضِ أَحَد

أَوحَدتَني وَفي الرِجالِ كَثرَةٌ

يا قِلَّةَ الجارِ وَقِلَّةَ العِدَد

كُنتَ إِذا جارَ الزَمانُ عَضُدي

فَاليَومَ لا جارِحَةٌ وَلا عَضُد

أَسلَمتَني إِلى الخُطوبِ وَاِنبَرَت

بَعدَكَ في أَديمي وَبَعِد

مالَكَ لا تَرِقُّ لي مِن زَفرَةٍ

تُلفِتُ أَثناءَ الفُؤادِ وَالكَبِد

ما لَكَ لا تَرأَبُ أَحوالي وَلا

تُصلِحُ آراؤُكَ مِنها ما فَسَد

ما لَكَ لا تَرحَمُ ذُلَّ مَوقِفي

وَكُنتَ أَحنا والِدٍ عَلى وَلَد

غادَرتَني مُضَلَّلاً لا أَهتَدي

نَهجَ السَبيلِ واجِداً ما لا أَجِد

قَعَدتَ عَن نَصري وَعَهدي بِكَ لا

أَدعوكَ إِلّا قُمتَ مَشبوحَ العُضُد

يا مَورِدي العَذبَ النَميرَ ماؤُهُ

أَورَدتَني بَعدَكَ أَوشالَ الثَمَد

تِلكَ الدُموعُ الحائِراتُ ما رَقَت

عَلى البِعادِ وَالغَليلُ ما بَرَد

يا لَكَ مِن رَزِيَّةٍ أَسرَفَ رَيبُ

الدَهرِ في الرُزءِ بِها وَما اِقتَصَد

رَزِيَّةٌ لَو يَعرِفُ الصَخرُ الأَسى

ذابَ بِها أَوِ القُطارُ لَجَمَد

وا عَجَباً كَيفَ أَباحَ غَيلَهُ

وَقامَ عَن شُبولِهِ ذاكَ الأَسَد

كَيفَ خَبا النَجمُ فَغارَ ضَوؤُهُ

كَيفَ هَوَت هِضابُ قُدسٍ وَأُحُد

ما غابَ في التُربِ وَلَكِن كَوكَبٌ

رَقى إِلى جَوِّ السَماءِ وَصَعِد

بَكَت مَصابيحُ الدُجى لِعائِدٍ

تَهِبُّ في طِلابِهِ إِذا رَكَد

أَوحَشَ مِنهُ مُرتَقى دُعاتِهِ

وَمُلتَقى الأَملاكِ كُلَّما سَجَد

أُبرِزَتِ الحورُ إِلى لِقائِهِ

وَأُزلِفَت لَدَيهِ جَنّاتُ الخُلُد

سَقى الغَمامُ تُربَةً جاوَرَها

مِنهُ وَقارٌ كَأَهاضيبِ أُحُد

فَطالَما كُنّا عَلى المَحلِ بِهِ

نَستَنزِلُ الغَيثَ إِذا القَطرُ جَمَد