من امرأة ناصرية الى جمال عبدالناصر

كنا كباراً معه فى كتب الزمان

كنا خيولاً تشعل الآفاق عنفوان

كان النسر الخرافى الذى يشيلنا

على جناحيه إلى شواطئ الأمان

كان كبيراً كالمسافات ..

مضيئاً، كالمنارات ..

جديداً كالنبوءات ..

عميق الصوت كالكهان ..

وكان فى عينيه برقٌ دائم

يشبه ما تقوله النيران للنيران

كنا شموساً معه

نوزع الضوء على مساحة الأكوان

كنا جبالاً معه حجر الصوان

وكان يحمينا من الركوع والهوان

كنا نسمى .. باسمه

إذا نسينا مرة أسماءنا

كنا نناديه جميعاً يا أبى

إذا أضعنا مرة آباءنا

فهو الذى أطلقنا من رقنا

وهو الذى حررنا من خوفنا

وهو الذى أيقظ فى أعماقنا الإنسان

كان هو الأجمل فى تاريخنا

والنخلة الأطول فى صحرائنا

كان هو الحلم الذى يورق فى أهدابنا

كان هو الشعر الذى يولد مثل البرق من شفاهنا

كان بنا يطير فوق جغرافية المكان

مستهزنا فى هذه الحواجز المصطنعة

من هذه الممالك المخترعة

من هذه الملابس الضيقة المضحكة المرقعة

من هذه البيارق الباهتة الألوان

كنا على صورتنا

كنا على صورته

كان يرى التاريخ فى نظرتنا

كنا نرى المستقبل الجميل فى نظرته

جبهتنا مرفوعة تستلهم الشموخ من جبهته

قبضتنا قوية تستلهم القوة من قبضته

أولانا قد رضعوا الحليب من ثورته

كان هوة القوة فى أعماقنا

واللهب الأزرق فى أحداقنا

والريح والإعصار والطوفان

كان هو المهدى فى خيالنا

وكان هو فى معطفه يخبئ الأمطار

وكان إذ ينفخ فى مزماره

تتبعه الأشجار

وكان فى جبينه سنابل وحنطة

وفى رنين صوته ما يشبه الأذان

وكان فى قدرته أن يطلع السنابل

ويجمع القبائل

ويستثير نخوة الفرسان

ويرجع الملك إلى بيت بنى عدنان

كان هو النجمة فى أسفارنا

والجملة الخضراء فى تراثنا

كان هو المسيح فى اعتقادنا

فهو الذى عمدنا

وهو الذى وحدنا

وهو الذى علمنا

أن الشعوب تسجن السجان

وأنها حين تجوع تأكل القضبان

يا ناصر البعيد قد أوجعنا الغياب

نمد أيدينا إليك كلما حاصرنا الصقيع والضباب

نبحث عن عينيك فى الليل ولا نمسك إلا الوهم والسراب

يا ناصر العظيم أين أنت؟ أين أنت؟

بعدك لا زرع ولا ضرع ولا سحاب

بعدك لا شعر ولا نثر ولا فكر ولا كتاب

بعدك نام السيف فى مرابه واستنسر الذباب

يا ناصر العظيم

هل تقرأ فى منفاك أخبار الوطن

فبعضه مغتصب .. وبعضه مؤجر وبعضه مقطع وبعضه مرقع

وبعضه مستسلم وبعضه ممزق وبعضه ليس له سقف ولا أبواب

يا ناصر العظيم لا تسأل عن الأعراب

فإنهم قد أتقنوا صناعة السباب

وواصلوا الحوار بالظفر وبالأنياب

وحاصروا شعوبهم بالنار والحراب

يا ناصر العظيم سامحنى فما لدى ما أقوله

فى زمن الخراب …