من ملحمة الجزائر

روعةُ الجرح فوق ما يحملُ

اللفظ ، ويقوى عليه إعصارُ شاعرْ

أأغنّي هديرَها ، والسماواتُ

صلاةٌ لجرحها ، ومجامرْ ؟

أأناجي ثوارَها ، ودويُّ

النار أبياتهم ، وعصفُ المخاطرْ ؟

بين جنبيَّ عبقةٌ من ثراها

ونداءٌ – انّى تَلفّتّ – صاهر

ما عساني أقول ؟ والشاعرُ

الرشاشُ ، والمدفع الخطيبُ الهادر

والضحايا الممزّقون ، وشعبٌ

صامدٌ كلإله يَلوي المقادرْ

فوق شعري ، وفوق مُعجِزة

الألحان هذا الذي تخطُّ الجزائر

يا بلادي ، يا قصةَ الألم الجبار

لم يَحْنِ رأسه للمجازرْ

ما عساني أقول ؟ والنارُ لم

تلفح جبيني هناك ، والثأر دائر

ودويّ الرشاش لم يخترقْ

سمعي ، ويسكبْ ، في جانحيَّ المشاعر

لم أذق نشوةَ الكمين يدوي

فاذا السفح للصوص مقابرْ

لم أعصِّبْ جرحي ، وكفّي على

النار ، وعيناي في العدوّ الغادرْ

ألف عذرٍ ، يا ساحة المجد ،

يا أرضي التي لم أضمّها ، يا جزائر

ألف عذرٍ ، إذا غمستُ جناحي

من بعيدٍ بماحقاتِ الزماجرْ

بيديكِ المصيرُ ، فاقتلعي الليلَ ،

وصوغيه دافقَ النور ، باهرْ

لك في الشرق جانحٌ عربيٌ

يتمطّى عن معجزاتِ البشائر

لكِ هذا الجدار ينسحقُ

الغدرُ على سفحه وتُمْلَى المصائر

رفعته الأكبادُ في مصرَ والشام

مضيئاً ، كطلعة الله ، ظافرْ

وحدةٌ ، مثلما أشرأبّ بقلب

الموج طود نائي الشماريخ قاهر

وحدةٌ .. ديْدبانُها لهبُ الشعب

ورُبّانها إلى الشطِّ ناصرْ

يا قلاعَ الطغاة ، قد نفَضَ

العملاق عن جفنه عصور الضبابِ

والتقينا من غير وعدٍ على الثأر ،

شهابٌ يضيء دربَ شهاب

سفحتنا الصحراء فجراً سخيّاً

بالبطولاتِ ، بالعتاقِ العرابِ

أمةٌ ظنّها الغزاةُ اضمحلّت

وتلاشت وراء ألف حجابِ

في افترار الربيع لا يسأل السروُ

شموخاً عن حاقد الأعشابِ

والعتيقُ الأصيل لا يخطئ الشوطَ !

وضجِّي يا حانقات الذئابِ !

المروءات قد تنام عن الخلد ،

وتكبو في رحلةِ الأحقابِ

ويعيث اللصوص في حرم التا

ريخ .. ظفرٌ دامٍ وشرعةُ غابِ

فجأةً ، يستفيق في جانب

البيد نبيٌّ ، وسورةٌ من كتاب

ويدوِّي على الرمال نفيرٌ

عربيّ ، فالأرضُ رجْعُ جوابِ

وإذا الدهر من جديدٍ نشيدٌ

صاغه أسمرٌ لحُلْمِ ربَابِ

مَنْ سقى الرملَ في الجزائر رعْشاً

وحياةً تمور مَوْرَ العبابِ !

من أحال الجبال زأرَ براكينَ ،

وجدرانَ معقلٍ غَلابِ

يتحدّى قوى الجريمة في الأرض ،

فتبدو كسيحةَ الأنيابِ

إنها أمتي .. تَشُدّ جناحيها ،

فوجهُ التاريخ فجرُ انقلابِ

حادثُ الجيل عودةُ الفارسِ

الأسمرِ حَلّ الميدانَ بعد الغياب

لا تسلني عنه ، تَلفّتْ تَرَ

الأنجم وشياً على جناح عُقابِ

لا تسلني ..طلائعي تَمْلأ

الأفقَ ، كأنّ السماء بعضُ الرحاب

لا تسلني .. جزائري تخضب

التاريخ عطراً بحفنةٍ من ترابِ

إنها أمتي .. تعود إلى الساحِ

نبيّاً ، وآيةً من كتابِ

أين مني عينان ، خلفَ جدارِ

السجنِ ، مكحولتانِ بالكبرياء !

وجبينْ ، وألفُ نجمة صبحِ

لألأت فوقَ جرحه الوضّاءِ

وفمٌ ، ويعْجزُ العذابُ ويعيا

فيه عن محو بسمةٍ زهراءِ

بسمة .. لخّصتْ بها شرفَ

التاريخ صديقةٌ من الصحراء

يلعَقُ الوحشُ جرحها ، فتردّ

الطرف كبْراً في صامت من إباء

وهي مذهولةٌ : اتبلُغُ يوماً

مثل هذا نذالةُ الأحياء !

أين مني جميلة* ؟ تزأرُ السا

حاتُ من صمتها بألفِ حُداءِ

أي سرٍّ في الصمت يُرسلُهُ

الأبطالُ ناراً ، وصاعقاتِ فداءِ !

أي سرٍّ هزّت به الشفقة

السمراء قلب الدنيا بغير نداء !

أتراها في السجن قدّيسةُ الصحـ

ـراء تطوي جراحها في حياء !

عَظُمتْ صيحة الفداء ، وعزّتْ

انْ تُوارى في دامسِ الظلماءِ

هي فينا سحْرُ القصيد إذا

غنّى ، ووهْجُ الناريةِ البتراءِ

هي في غضبة الملايين تهوي

فوق جلادها سياطَ ازدراءِ

في بلادي ، في الصين ، في شفتيْ

راعٍ يغني على الذرى الخضراء

وهِمَ المجرمون ، لن يطفئوا

الشمس بارهاب غيمةٍ سوداءِ

تتحداهم جميلةُ بالصمتِ

رهيبا ، والبسمة الزهراءِ

تتحداهُمُ صخورك يا (أوراس)

أن يوقفوا زئيرَ القضاءِ

موجةٌ .. تحملُ العروبة فيها

من جديدٍ مقَدّساتِ السماءِ