بحر الطويل

لَقَد طالَ يا دُنيا إِلَيكِ رُكوني وَدامَ لُزومي ضِلَّتي وَفُتوني وَطالَ إِخائي فيكِ قَوماً أَراهُم

هِيَ النَفسُ لا أَعتاضُ عَنها بِغَيرِها وَكُلُّ ذَوي عَقلٍ عَلى مِثلِها يَحنو لَها أَطلُبُ الأُخرى فَإِن أَنا بِعتُها

أَمِنتُ الزَمانَ وَالزَمانُ خَؤونُ لَهُ حَرَكاتٌ بِالبِلى وَسُكونُ رُوَيدَكَ لا تَستَبطِ ما هُوَ كائِنٌ

أَرى المَوتَ لي حَيثُ اعتَمَدتُ كَمينا فَأَصبَحتُ مَهموماً هُناكَ حَزينا سَيُلحِقُني حادي المَنايا بِمَن مَضى

تَزَوَّد مِنَ الدُنيا مُسِرّاً وَمُعلِنا فَما هُوَ إِلّا أَن تُنادى فَتَظعَنا يُريدُ امرُؤٌ أَلّا تُلَوَّنَ حالُهُ

رَضيتُ بِبَعضِ الذُلِّ خَوفَ جَميعِهِ وَلَيسَ لِمِثلي بِالمُلوكِ يَدانِ وَكُنتُ امرَأً أَخشى العِقابَ وَأَتَّقي

لَشَتّانَ ما بَينَ المَخافَةِ وَالأَمنِ وَشَتّانَ ما بَينَ السُهولَةِ وَالحَزنِ تَنَزَّه عَنِ الدُنيا وَإِلّا فَإِنَّها

أَغَرَّكَ أَنّي صِرتُ في زِيِّ مِسكينِ وَصِرتَ إِذِ استَغنَيتَ عَنّي تُنَحّيني تَباعَدتُ إِذ باعَدتَني وَاطَّرَحتَني

رَكَنتَ إِلى الدُنيا عَلى ما تَرى مِنها وَأَنتَ مُذُ استَقبَلتَها مُدبِرٌ عَنها وَلِلنَفسِ دونَ العارِفاتِ صُعوبَةٌ

أَلا مَن لِمَهمومِ الفُؤادِ حَزينِهِ إِذا ابتَزَّ مِنهُ العَزمَ ضَعفُ يَقينِهِ وَإِذ هُوَ لا يَدري لَعَلَّ كِتابَهُ