فتاة الغيب

لِي صَاحِبٌ في مُهْجَتي وَقَرَارِي

نُورٌ يُضَاهِي جَذْوَةَ الأنْوارِ

إِنْ قُمْتُ فِي صَدَحٍ يُغَرِّدُ صَادِحًا

أَكْرِمْ بِهِ مِنْ مُؤْنِسٍ نَوَّارِ

فِي عُسْرَةِ الأَحْدَاثِ يُشْرِق بَاسِمًا،

عِنْدَ الكُرُوبِ كَمُقْدِمٍ مِغْوَارِ

أَبْغِيهِ فِي ضَرَمٍ فَيُسْرِعُ حَامِلاً

بَرْدَ النَّسِيمِ بِضَوْعِهِ المِعْطَارِ

يَسْتَلُّنِي مِنْ كُلِّ أدْهَمَ غَائِرٍ

سَنَدًا يُجَابِهُ ثَوْرَةَ الأَخْطَارِ

تِلْكَ المَوَدَّةُ لَيْسَ يَنْضُو ثَوْبُهَا

وَيْحِي إِذَا فَتِئَتْ بِغَيْرِ سِتَارِ

فِي لَيْلَةٍ دَهْمَاءَ لُمْلِمَ شَمْلُنَا

فِي مَجْلِسٍ دَسِمٍ مِنَ الأفْكَارِ

نَتَبَادَلُ الأَسْمَارَ نَبْغِي فُسْحَةً

وَنَحُوكُهَا نَسَقًا مِنَ الأَخْبَارِ

تَتَسَابَقُ السَّاعَاتُ نَرْجُو وَقْفَهَا

فَنُحِيلُهَا ذِكْرَی مِنَ الإِسْرارِ

فَإِذَا فَتَاةُ الغَيْبِ تَظْهَرُ خِلْسَةً

تَدْنُو، بَهَاهَا قِبْلَةُ الأَنْظَارِ

وَاللَّحْظُ يَخْتَرِقُ الفُؤَادَ كَأَسْهُمٍ

وَالأَنْفُ حُدَّ كَصَارِمٍ بَتَّارِ

تَرْنُو إِلَى نَحْوٍ بِطَرْفٍ سَاكِنٍ

مِنْ سَاحِرٍ بَلْ فَاتِكٍ قَهَّارِ

يَبْدُو عَلَى يَدِهَا سِوَارٌ نَاعِمُ

وَإِنِ اِكْتَفَتْ بِالحُسْنِ دُونَ سِوَارِ

والقَدُّ مَيَّاسٌ كَأَخْضَرَ يَافِعٍ

فِي أَبْطَحٍ قَفْرٍ وَفَيْضِ ثِمَارِ

جَلَسَتْ تُجَاذِبُنَا الحَدِيثَ كَأَنَّهَا

مَلِكٌ عَلَى عَرْشٍ ونَهرٍ جَارِ

تَتَرَبَّصُ الهَمَسَاتِ مِنْ أفْوَاهِنَا

كَتَرَبُّصِ النَّحْلَاتِ بِالأَزْهَارِ

ضَرَبَتْ بأَطْرَافِ الحَدِيثِ تُحِيكُهُ

بِغِوَايَةِ الهَاوِي وَنَجْوَى السَّارِي

تَسْتَنْطِقُ الرَّغَبَاتِ مِنْ أَفْكَارِنَا

وَإِذَا نَطَقْنَا أَعْرَضَتْ بِجِهَارِ

تَرْمِي إِلَى غَزْلِ الحَدِيثِ ولُطْفِهِ

مَا هَمَّهَا مِنْ عِبْرَةٍ وَحِوَارِ

حِينَ استَقَرَّ نِصَابُهَا وَتَوَجَّسَتْ

ظَفَراً بِلُبِّ خَيَالِنَا الفَوَّارِ

أَخَذَتْ تُحَاكِي حُسْنَها وَبَهاءَهَا

نَطَقَتْ بِلَا خَجَلٍ، وبِاسْتِهْتَارِ:

نَسْتَلُّ أَفْئِدَةَ الرِّجَالِ مِنَ الهَوَى

وَخَيَالَكمْ مِنْ فَيْضِنَا المِدْرارِ

تَرمِي العُيونُ قُلُوبَكُمْ مِنْ نَظْرَةٍ

كَالفَاتِكَاتِ بِمشْعَلٍ من نَارِ

مِنْ عَذْبَةٍ، مِنْ حُلْوَةٍ مَيَّاسَةٍ

نَسْبِي القُلُوبَ بِسِحْرِنَا الجَبّارِ

مِنْ فَاتِنَاتٍ قَدْ أَبَحْنَ بِزِينَةٍ

أو يَحتَجِبْنَ بِساترٍ وَخِمَارِ

نَقْتَاتُ مَا نَقْتَاتُ مِنْ عُشَّاقِكُمْ

وَنَصُدُّكُمُ هَدَرًا كَنَثْرِ غُبَارِ

‏ وَإِذَا أَصَابَ العِشْقُ مِنَّا مَقْتَلاً

تُهْنَا هَوًى فِي لُجَّةٍ وقِفارِ

أخَذَا بِشَوْقٍ يَسْمَعَانِ حَدِيثِهَا

وَالتَفَّتِ الأَفْكَارُ بِالأَفْكَارِ

يَتَسَابَقَانِ عَلَى رُبىً وَرْدِيَّةٍ

وَسُفُوحُهَا ضَرْبٌ مِنَ الأَسْرَارِ

وَمَضَتْ فَتَاةُ الغَيْبِ تُمْطِرُ وَابِلًا

وَتَفَرَّقَ الأَصْحَابُ فِي الإعْصَارِ

مَا هَمَّها أَنْ يَسْتَمِيتَا رَغْبَةً

فِيهَا.. فَيَا لقَسَاوَةِ الْأَقْدَارِ!