أعذلا وما عذلتني النهى

أعَذْلاً وَما عَذَلَتْنِي النُّهَى

وَلا طرَد الحِلمَ عَنّي الصِّبا

وكيف تلومين صَعْبَ المَرامِ

وَتَلْحَيْنَ مثليَ كهلَ الحِجَا

بلوتُ الزمانَ وأحداثَه

على السِّلْم منهنّ لي والوَغَى

فما فَلّلتْ حربُها لي شَباً

ولا ازددتُ بالسِّلم عنها رِضا

إذا قلتُ لم أَعْدُ فصلَ الخطابِ

وإن صُلْتُ أيقظتُ عينَ الرَّدَى

أرَتني التَّجاربُ ما قد بَدَا

فقِسْتُ بِه كلَّ ما قد خَفا

ولم يبلُغِ العمرُ بي من سِنِيهِ

ثلاثين حتى بلغتُ المَدَى

وبرّزتُ عزماً على ثابتٍ

وأرْبيتُ فَتْكاً على الشَّنْفَرى

إذا الجَدُّ لم يَسْمُ بالمرء لم

يَنَلْ بالنّباهة أقصى المنَى

ولم يَمضِ بي الدهرُ صَفْحاً ولا

غدا ملءَ عينيَّ منه قَذَى

خَلِيلَيَّ بي ظَمَأٌ ما أُراه

يَبَرّدُه عَلَلٌ مِن حَيَا

فلا تَسْتشيما بُروقَ السَّحابِ

فَلَلِّريُّ في شَيْم بَرْق الظُّبا

أَعينَا أَخاً لكما لم يَبِتْ

على طول مَسْراه يشكو الوجَى

ولم يَسترِحْ قلبُه من أسىً

ولم تَخلُ أحشاؤه من جوى

على أنّ لي عَزَماتٍ إذا

تُنوهِضْن هِضْنَ طِوالَ القنا

ونفساً تئِنّ بها الحادثاتُ

وقلباً يَسُدّ عليّ الفَلا

ولم أرْمِ سَهْمِيَ إِلاّ أَصبتُ

ولم أَدعُ بالدّهر إلاّ احتذى

ولا أشرَبُ الماءَ إلاّ دماً

إذا عَرَصتْ لَي طُرْقُ الأذى

تهون عليّ صعابُ الأُمورِ

ويَغر عنّي جميع الورى

أنا ابن المُعِزِّ سليلِ العُلاَ

وصِنْوُ العزيز إمامِ الهُدَى

سما بِي مَعَدُّ إلى غايةٍ

من المجد ما فوقها مُرتَقَى

فَرُحتُ بهَا فاطميَّ النِّجارِ

حُسَينيَّة عَلَوِيَّ الجَنَى

وما احتجتُ قطُّ إلى ناصرٍ

ولا رُحتُ يوماً ضعيفَ القُوى

ولم أستشْر في مُلمٍّ يَنوبُ

مشيراً أَرى منه ما لا أَرى

ولستُ بوَانِ إذا ما أَمَر

زمانٌ ولا فَرِحٍ إن حلاَ

إذا أصبح الموتُ حتماً فلا

تَخَفْه دنا وقُتُه أو نأى

وإنّا لَقومٌ نَروع الزمانَ

ولسنا نراع إذا ما سَطا

ومنّا الإمامُ العزيزُ الذي

به عادَ سيف الهدى مَنْتَضَى

سعى للشآم وقد أصبحتْ

بها الحربُ نَزاّعةً للشَّوَى

فكشّف من ليلها ما سَجَا

وقوَّم من زَيْغها ما التوى

ولمّا تقابلت الجَحْفلان

وعاد كُجْنحِ الظّلامِ الضُّحى

ولم يَبْقَ في الصفِّ من قائلٍ

هَلُمّ ولا من مُجِيبٍ أنا

وقد ولَغتْ في الصُّدورِ الرِّماحُ

وصَلّتْ لبِيض السيوف الطُّلى

وغنّتْ على البَيْض بِيضُ الذّكوِرْ

غَناءً يُعيد الفُرَادى ثُنَا

كأنَّ الرِّماحَ سُكَارَى تجول

بها الخيلُ في النَّقْع قُبَّ الكُلَى

فلولا الإمامُ العزيز الذي

تَدَاركَها وهي لا تُصْطَلَى

فسكَّن عارِضَ شُؤْبُوبها

وأمسك مِن سَجْلهِ ما انهمى

بَدَا لهم دارعاً في العَجَاجِ

كصُبْحٍ بدا طالعاً في الدُّجَى

يَكُرّ ويَبْسِمُ في مَوْقِفٍ

عُبُوسُ الكُماة به قد بدا

ولم يَخْذُل السيفُ منه يداً

ولم يَسْكُنِ الرَّوْعُ منه حَشَا

يقود إلى الحرب من جُنْدِه

أُسودَ رجالٍ كأُسْد الشَّرَى

فلو فَدّتِ الحربُ قَرْماً إِذاً

لفدّتْك صارخةً بالعِدى

فلم تُصْدرِ الرُّمحَ حتى انثنى

ولم تُغْمِد السيف حتى انفرى

ولم يَحْمِل الموتُ حتى حملتَ

ولولاك ما خاض ذاك اللَّظى

فما انفرجتْ عنك إلاّ وأنت

بها الفارس المَلكِ المُتَّقَى

فجاءك منهمْ ملوكُ الرجالِ

وفدّتك منهم ذواتُ اللَّمَى

ولاذُوا بعَفْوِك مستأمِنِين

ولم يَجِدوا غيرَه مُلْتَجا

ولمّا رأى فَتْحها أَفْتكِين

عليه وَاخلَفه ما رَجا

تولّى ليَنجو فَخفَّتْ به

جيوشُك واستوقفته الرُّبَا

ولو طلب العفَو قبل الحروب

لكنتَ له غافراً ما مضى

ولكنّه اعتادَ فيه الإباقَ

وليس الفتى كلَّ يومٍ فَتَى

ورام الخلاصَ وكيف الخلاصُ

وقد بلغ الماءُ أعلى الزُّبَى

فعوّجتَ من أمره ما استوى

وكدّرت من عيشه ما صفا

إذا استعملَ الفكرَ في بَغْيه

تناول بالكفّ منه القفا

ولم يك كُفْئَكَ في حربه

وإن كان في بأسه المُنتهى

ولسنا نقَيس الهدى بالضِّلالِ

ولا نجعل الليثَ ضَبَّ الكُدَى

وبينكما في العُلاَ والوَغَى

كما بين شمس الضُّحَى والسُّهى

وقد هزَم الأُسْدَ حتى انتهاك

فلمّا رآك غدَا لا يَرَى

فراح وحَشْوَ حَشَاه أَسىً

وقد مُلِئتْ مُقْلتاه عَمى

أَريتَهمُ وقَعاتٍ تزيدُ

على وَقعات الدُّهور الأُلَى

ببغدادَ مِنْ ذكرها جولةٌ

تذود عن المارقين الكَرى

فأْنفُسُ دَيْلَمِها تَغْتدِي

وتَمسى على مثل جمر الغَضَى

إذا سمعوا بالإمام العزيزِ

أساءوا الظنونَ وحلُّوا الحُبا

يخَافون من بأسه وقعةً

تدور عليهم بقُطْب الرَّحَى

يُنادِي بُوَيْه بَنيه بها

ويندُبهم وهو رَهْنُ البِلَى

وقد قَرُبَ الوقتُ فَلْيَأْذَنوا

بوَشْكِ الزَّوال وسوءِ القضا

فيا بن الوصيّ ويا بن البَتُول

ويا بن نبِيّ الهُدَى المصطفى

ويَا بنَ المشَاعر والمَرْوَتْينِ

ويا بن الحَطِيم ويا بنَ الصَّفَا

لك الشرفُ الهاشميُّ الذي

يُقْصر عنه عُلاَ مَنْ علاَ

فِمنْ حَدّ سيفك تسطو المَنونُ

ومِنْ بطن كفِّك يُبْغَى النَّدَى

ولو فاخرتْك جميعُ الملوكِ

لكانوا الظلامَ وكنتَ السّنا

منحتُك من فِطْنتي مِدحةً

تُخَبِّر عن باطنٍ قد صفا

فُدونَكَها فيك شِيعيّةً

تميميّةً صَعبةَ المُرْتَقى

فيا ليتني كنتُ من كلّ ما

يسوءك من كلّ خَطْبٍ فِدا

سأصفِيك شكراً ومدحاً إذا

تُنوشِد صَغّر أهلَ العُلا