طوى البين عهد الوصل فهو قصير

طوى البينُ عهد الوصل فهو قصيرُ

ففاض له دمع وطال زَفِيرُ

أحادِي الحُدوج المستحِثَّ أَخُذَّلُ

من الأُدْم فيها أم نواعِم حُور

صَدَعْنَ فؤاداً كاد ينهلُّ أدمُعاً

وقلباً غداة البين كاد يطير

أوانِس في أثوابهن وفي المُلاَ

غُصون وفي تنقِيبهن بُدور

كأنَّ نقا خَبْثٍ لهن روادفٍ

تأَزَّرنها والأقحوان ثغور

إذا ما دجا جِنْحُ الظلام أناره

لهنّ تَراقٍ وُصَّحٌ ونُحور

وإن هنّ حاولن النهوضَ تمايدتْ

بهنّ مُتونٌ وانتصبن صدور

فهنّ المُنَى لولا رقيبُ وحاسد

عدوٌّ وواشٍ كاشحٌ وغَيُور

وإني على ما بي إليهنّ من جَوىً

بكّل عفافٍ كاملٍ لجَدير

تبعِّدُني عن منزل الذمّ والخنا

خلائقُ زُهْرٌ كالنجوم وخِير

ولو شئتُ عاودتُ الصِبا واستفزَّني

من الغِيد مكحولُ الجفون غَرير

ولكن سمت بي هِمَّةٌ عَلَوِيَّةٌ

وقلبٌ إذا ارتاع الجَبانُ جَسُور

ونَفْسٌ سواءٌ عندها الفقرُ والغنى

وسيَّانِ بؤسٌ نالهَا وحُبُور

وما لي أخاف الدهر أو أحتنى له

ولي من أبي المنصور فيه نصير

عَزيزٌ به عزَّت خلافةُ هاشمٍ

وراح عمودُ البغي وهو كسيرُ

تباشرت الدنيا به وبملكه

وأشرق منه مِنْبَر وسرير

فيا بن الذين استُنبِطَ الوحيُ عنهمُ

وأضحى بهم وجه الزمان ينِير

ويا بن الملوك الشُمِّ من آل هاشمٍ

ومن طاب منهم ظاهر وضمير

لك الأوّل العالي الزكيُّ الذي انتهى

به المجد يُزْجَى والأوائل زُور

إذا عدّ قوم للفَخار عشيرةً

غدا لك من آل النبيّ عشير

هنيئاً لك العيدُ الذي أنت بالرضا

من الله للمرضيك فيه بشير

برزت كبدر التِمّ تَقْدُم جَحْفَلاً

تكاد بن الأرض الفضاء تمور

فلِلبيض بَرْقٌ في أعاليه خاطفٌ

وللأُسْد رَكْضٌ تحته وزئير

كأنّ الدُّروعَ السابِغاتِ عليهمُ

لمِا ألَفوها سُنْدُسٌ وحرير

وقد منحوك الّلحظّ من كل جانبٍ

وكلّهمُ صافي الضمير شَكور

فمِن مُقْلةٍ منهمْ عليك حبِيسةٍ

ومن إصبع فيهمْ إليك تِشير

ولو نطقت أحجار أرضٍ لسَلَّمتْ

عليك المُصَلَّى أو أتتك تسير

فلمَّا بلغت المِنبر الطاهر الّذي

له بك فضلٌ لا يُنال كبير

تواضعت للرحمن ثم علوتَه

خطيباً وكُلُّ اللحظ عنك حسير

فأبديت ما أبدى النبيُّ من الهدى

كذا الفَرْعُ للأصل الزكيّ نظير

وأسهبتَ في حمد الإله بخطبة

تَفَجَّرُ منها للصواب بحور

وبَشَّرتَ ترغيباً وأنذرتَ خَشْيةً

بإيجاز قولٍ ما حواه نذِيرُ

فُدمْ لأبي المنصور يا مُلْكُ سالماً

فليست عليك الدائرات تدور

لأنك بالمَلْك العزيز ممنَّعٌ

وأَنّ له يعقوبَ فيك وزير

أغَرُّ إذا ما قابل الخطبَ رأيُهُ

تيسَّر صَعْبُ الخَطْب وهْوَ عسير

تطلّبتَ مرضاة الإِله فنِلتَها

وقصَّر عنها طالبون كثير

فأنت له في الحرب سَهْم ومُنْصُلٌ

وفي السِّلم لألاءٌ يلوحُ ونور

فيا بن معزّ الدين دعوةَ شاكرٍ

على كلّ ما أوليتَ ليس يحور

ودادُك في قلبي صحيحٌ صفاؤه

وغَرْسُك عندي فيه ليس يبور

بلغُت بك الحالَ التي كنتُ أرتجي

عُلاها فحالِي غِبْطةٌ وسرور

وماليّ لا أحوِي بك العزَّ والمنى

وأنت على كلّ الأمور قدير

وكيف أخاف الحاسِدين وبغَيهم

وأنت عليهمْ لي يدٌ وأمير

كلانَا لأصلٍ واحد ولوالدٍ

إذا ما دعانا الانتسابُ نصير

فلا تَنْسَ منّي ناصحاً وابنَ والدٍ

ووالدةٍ ما فيه عنك نُفُور

يودّ بأن تبقى عزيزاً مسلَّماً

ويَفديك من صَرْف الرّدى ويُجير

وإني بتقبيلي لك الأرض والثرى

على كل من فاخرته لفخور

عليك صلاةُ الله ما ذَرّ شارقٌ

وما دام رَضْوَى باقياً وثَبِير