الموعظة على الجبل

أنا أيضاً اتّبعْتُه،

غذّيتُ قوّتَهُ بضعفي،

وأعنتُهُ على تحقيقِ ذاتِه.

على التلة اللثغاء

التي انتظرها طويلاً ذراعانِ متراخيان

لبحيرتنا النعسة

(كدمعةٍ يتشوّق إليها الخدُّ

وتتقربطُ بعَيْن)،

أكلتُ مع الآكلين،

ورأيتهمْ يُهلّلون لهُ، وقد شبعوا،

ويتدحرجون في اثرهِ.

وحدي لبثتُ على التلّة،

وراقبتُهُ يستمعُ للمياه تعلنُ الولاءَ بصمت

ومختاروه من حولهِ يُقَوقئون.

وحدي لبثت، أنتظرُ عودَته.

عرفتُ أنَّهُ سيعود:

فالأرغفةُ الباردة وقطعُ السمك

(ولو انَّ يديْ أمٍّ لفّتاها

ولو انَّها ببركةِ أمٍّ تملّحتْ)

تركتْني أتضوّرُ جوعاً.

والمياه التي انقلبتْ خموراً

عادت مياهاً على شفتيّ.

والوحلُ الذي نقّى من الوحل عينيْ برتماوسَ

جعلَ عينيَّ تسأمانِ ما كانتا تتنزّهان به.

والنداءُ الذي أعادَ فتى نايين للحياة

تركَ أمّي في سَواد.

على تلّةِ الخصب

وسطَ السنابلِ تتعالى كشموعٍ

وتتلوّنُ خدودُها إذْ يغمزُها

بعيونٍ متعبةٍ

سمكٌ لا ينام،

تضوّرتُ جوعاً.

أنا جُرِّبْتُ أيضاً:

في غير بريّةٍ جُرِّبْت.

وعاد.

من المياه تنبعُ آلهةُ الحبّ.

عادَ، وفتحَ فاه

(وقال قومٌ أنه تغنّى

وقالَ قومٌ أنَها صلاة)؛

هل سمعَهُ سواي؟ ظننتُ

أنّهُ كانَ يُسِرُّ لي.

لم ينادِني، وخرجتُ؛

ولمْ يكسرْ أرغفةً ولمْ يلمسْ دنانا،

وامتلأتِ السلالُ من جديد

ورأيتُ المعازيم الذين أضاعوا الوعيَ بوعيٍ يتلمّظون؛

ولم يبصقْ على الأرضِ المتجدّدة،

وإذا سبعةُ المجدلِ سبعون؛

إذْ فتحَ فاه.

على التلّةِ أضطَجِع.

وحينَ تُعَرِّجُ عليها الشمسُ

فتزيدُ حرارتَها

ولا تزيدَ الضياء،

أهبُّ لملاقاةِ الموجةِ

التي تجيئني بغير مجذاف.

في موطني، إلى موطني أحجّ.

وأعرفُ أنهُ سيعود.

وأنتظرُ عودَته

(مقبرتُنا الآن على التلّة).

إليها سيعود، مخلِّفاً الجموع،

ليبحثَ عن مسندِ رأس.

وقد يفتحُ فاه

وقد أسمعُ “طوبى