المعري فصل من سيرة نهر

عقمتَ ..فعشتَ ، وانتُسخوا ..فماتوا

ستنساهمْ ..وتذكركَ الحياةُ ..

لك الما قبلُ والما بعدُ إرثٌ

وهمْ لهمُ من الدنيا الفتاتُ

لك المعنى من الأشياء..يُجلى

وهم لهمُ من الشيء الرفاتُ

وقفتَ بمفصل التاريخ ذاتاً

فصبَّتْ في توحّدك الذواتُ

فيا نهراً يسير بغير ماءٍ

يسير النيل خلفك والفراتُ

خطاك تحدّد الآتي ،فتمشي

فصولٌ ،ثم تتجه الجهاتُ

كأنّ عماك مركز كلّ ضوءٍ

فمن طين العمى صُنع الهداةُ

***

نحاول أن نراك كما أ ردنا

لأنك – في حقيقتك – انفلاتُ

فيُلبسك اليسار رداء بوذا

وتُرفع – في اليمين – لك الصلاةُ

فبعضك مؤمنٌ ، والبعض كفرٌ

وفيك الله ، والأخرى مناةُ

فما اجتمعتْ لغات الفكر ..حتى

أتيتَ .. وفيك وُحّدت اللغاتُ

وُلدتَ ..ولم تلدْ ،فعتقتَ نفساً

إذا عاشتْ ستدركها الوفاةُ

قتلتَ الموت حين منعتَ خلقاً

كما قتل الحياة بنا الطغاةُ ..

نجيء لكي نكون لهمْ شعوباً

وهم ذئب القطيع وهم رعاةُ

كأنّا قد خُلقنا من ترابٍ

ومن إستبرقٍ صُنع الولاةُ !!

وأقسم أنّ طفلاً دون عشرٍ

له بعد النبيّ المعجزاتُ

إذا قُتلتْ يدٌ يرمي بأخرى

وإن قُتلتْ ..فأضلعه رماةُ

هو الألق المجنّح ، حين يُتلى

أذان الصبح في بردى بياتُ

يدور على الكرام بكأس خلْدٍ

فتصحو في الكرام المكرماتُ

وتصعد من نشيج الأرض خيلٌ

تدوس عروش من لهم الصفاتُ

رجالٌ ..والصفات لهمْ جميعاً

وأولها بأنهمو …بناتُ !!!

نقاتل نحن ، ثم نموت ذوداً

وأصحاب السموّ هم الحماةُ

نجوع .. ويعصرون الجوع ،حتى

على آلامنا فُرضت زكاةُ ..

كأنّ بلادنا دَيْنٌ علينا

وأصحاب السموّ هم الجباةُ

أما كُسرتْ حجارتهم قريشٌ

فكيف تعود عُزّاهمْ ولاتُ

ملوكَ التيه ..قد تعبتْ بلادي

وقد ضاقتْ بغصّتنا الفلاةُ

جعلتم كلّ أنفسنا سجوناً

وما نفسٌ على جورٍ تباتُ

غداً إن كفةٌ مالتْ علينا

أيُرجحُ كفة الوطن العراةُ !!

عبيداً نحسن الصرَّ اصطُنعنا

وعند الكَرِّ يُفتقد الكُماةُ ..

ونحن الخيل صنعتنا، ومجدٌ

له في كلّ عاصمةٍ سماتُ

فتحنا المستحيل ،وضاق كونٌ

بنا ذرعاً ،وما ضاق الثباتُ

على آثارنا سارت جبالٌ

وماءَ إبائنا شرب الأباةُ

ولو كان المحيط دواة حبرٍ

فلن تكفي لتكتبنا الدواةُ

ونحن الآن من ..من أيّ أرضٍ

ومن آباؤنا والأمهاتُ ..

خرجنا من بذور الخلق عقماً

وماتت في خليّتنا النواةُ

فلا مالٌ يزيّننا ووِلْدٌ

وأين الباقيات الصالحاتُ

نولولُ كلما قُصفت بلادٌ

وتضحك في السماء الطائراتُ

نقاتل بالهتاف ، فليت شعري

كأنّ جميع أمتنا لهاةُ ..

فلا عمرُ بن خطابٍ أبونا

ولا لأبي العلاء بنا صلاتُ

فهم هطلوا على الدنيا سحاباً

رووا مستقبل الرؤيا ..وفاتوا

ونحن كذاك صلّينا وصمنا

فما أغنى الصيام ولا الصلاةُ

هو الرجل الذي فينا قليلٌ

وهمْ في بعض واحدهم مئاتُ

يحدّون الحياة ، ولا حدودٌ

تحدّهمُ ..سوى ..قال الرواةُ !!

يمرُّ النسغ من دمهم إلينا

ولكن بعدما مات النباتُ

فعذراً يا أبي قد متَّ فينا

وكلّ من استحوا في الأرض ماتوا

وما هطلتْ عليّ ولا بأرضي

سحائب ، إنما هطل الغزاةُ ..!!