وطن

قرّبتُ منهُ هديلَ الروحِ، فابتعدا

حتى الصلاة، ولم يركع ولا سجدا

غطّيتُهُ بدمي… فاحتلَّ أوردتي

حتى إذا متُّ غطَّاني ببعض صدى

أطعمتهُ حنطة الأحلام فاتنةً

كالأمنياتِ، ولمّا جعتُ ما وَجَدَا

سمّيتهُ وجعي فارتاح في تعبي

مازلتُ أوقد قلبي كلّما بَرَدَا

أقضي الحياةَ بعيداً عن منابتها

كي يستقيم على الأيام مُنفردا

إنْ قال كنتُ شهيداً، أو مشى قَدَمَاً

أو شاءَ يُعبدُ كان الواحد الأحدا

عيناهُ خارطة الدنيا وشهوتها

ورحلةُ الشوقِ في الجفن الذي سهدا

عيناهُ طعمُ أذان العصر يسحقني

في الذكرياتِ ويُلقي في يدي الكبدا

عيناهُ رائحة الطين الذي صعدتْ

منهُ الأمومةُ تجني بالدم الوَلَدَا

عيناهُ إنْ مرَّتَا في الليلِ بارقةً

أمضي بروحي وأنسى أرتدي الجسدا

ستٌ وعشرون والتاريخُ يذبحني

جوعاً، وأطعمهُ مافي يدي… ويَدَا

ستٌّ وعشرون عاماً يا هوى وطني

ما أثمرَ الوعدُ إلا موت من وُعِدَا

طفلين كنا وكان الضوء موسمنا

لما زرعناهُ قلنا نرتديه غَدَا

في بيدر العشق حين الأرض مورقةٌ

حُبَّاً، ووردُ الخطا في وجنتيه ندى

حين العصافير تجني قمح أغنيتي

قرب الشبابيك تُلقي في يديكَ مَدَى

حين الكلام انتحارٌ والهوى وَجَعٌ

ثغرين كنا إذا هبَّ الهوى اتَّحدا

لكننا الآن لما الضوءُ فاجأنا

بكراً، حصدتَ، ولم أعبأ بما حُصِدَا

لكنه اليأس قد ضيَّعتُ فيك دمي

ماذاكَ فَقْدٌ، ولكنْ حالُ من فُقِدَا

إنْ جعتُ آكلُ خبز الناس عن ألمٍ

أو كان منفى أرى في دجلةٍ بردى

لكنه الإسمُ هذا السرُ ضيّعني

من ذا يصير لهذا الضائع البلدا