حي يا سعد قبابا بالحمى

حيِّ يا سعدُ قباباً بالحِمى

تَحتَها ربعُ المنى لم يدرسِ

جادهُ الغيثُ إِذا الغيث همى

لا زمانَ الوصل بالأندلسِ

إِن يكُن ما بلّ شوقي قربهُ

فلِساني دائماً يذكرهُ

وَبِقلبي مُستقرٌّ حبّه

بِهواهُ لم أزل أعمرهُ

أَعظمُ النعمةِ أنّي صبّهُ

دائِماً أحمده أشكرهُ

سعدُ إِن جئتَ إليهِ فاِنعَما

واِستضئ مِن نورهِ واِقتبسِ

وَإِذا بحرُ أَياديهِ طَما

فَاِنتبِه مِن فيضِه واِحترسِ

وَأَفض يا سعدُ مِن دمعِ الهنا

ما يُروّي الأرضَ إِن شحّ الغمام

كنتَ حالَ البعدِ تبكي حَزَنا

إِن رأيتَ البرقَ أو غنّى الحمام

وَبِهذا اليومِ قَد نلتَ المُنى

فاِبكِ واِستبكِ فما ثمّ ملام

آهِ مَن لي بالحِمى أَن ألثما

تربهُ لو نهزة المختلسِ

لَم يَحن بعدُ اللقا فاِبكي دما

وَاِهجسي يا نفسُ أو لا تهجسي

ليتَ شِعري هَل أُرى يوماً أجول

في رُبا طيبةَ أو تلكَ الجبال

وَأَرى مِن أَثلِها فوقي ذيول

سابِغاتٍ مِن ظَليلاتِ الظلال

حبّذا ثمَّ حُزونٌ وسهول

حلَّها الأنسُ وحلّاها الجمال

فاقتِ الحصباءُ فيها الأنجما

وَثَراها يَزدري بالأطلسِ

أَنا لَو خُيّرت في أَعلى سما

أَو بِها لاِخترتُ فيها مجلسي

يا بِرُوحي كلّما هبّت صبا

نفحةٌ أَنشقُها مِن عطرها

وَإِذا ما جاءَني مِنها نبا

أَملأُ الدُنيا بريّا شكرها

مُنيَتي بِالجزعِ والسفح ربا

عطّرت كلَّ الوَرى من نشرها

أيُّ شَوقٍ في فُؤادي اِضطَرما

جَفّفَ الدمعَ فلَم ينبجسِ

وَلَكَم فاضَت عُيوني ديَما

بِشواظِ الوجدِ لم تنحبسِ

كيفَ يا سعدُ ثنيّات اللِوى

أَتُراها بِنَداها تبسمُ

زادَ في قَلبي لِلُقياها الجَوى

فَمَتى أرشفُها أو ألثمُ

طابَ لي في حبِّها شرحُ الهوى

فبهِ إِن عزَّ وصلٌ أنعمُ

وَإِذا ليلُ غَرامي أظلَما

ولِنَفسي لَم أجِد من مؤنسِ

أَجدُ الراحةَ في شِعري فما

نَفّس الكربةَ إلّا نَفَسي

أَنا ذا أشدو بسلعٍ والنقا

وَرَوابي حاجرٍ والمُنحنى

لا أَرى الورقاءَ منّي أخلقا

إنّني أعظمُ منها حَزَنا

خيرَ أرضِ اللَّه غرباً مشرقاً

أَنا أَهوى وهيَ تَهوى الدمنا

فَاِرحمي طيبةُ صبّاً مُغرما

بكِ إن يرجُ اللِقا أو ييأسِ

هو لا ينفكّ عَبداً قيّما

شدّدي في هجرهِ أو نفّسي

لستُ واللَّه بذا الخلقِ خليق

إنّما ذلك تَمويهُ الكلام

إِن أَكُن حَقّاً بما قلتُ حقيق

فَعَلى ما ولِما هذا المُقام

وَلِماذا إِن يجِئ ذكرُ العقيق

لَستُ أُجريهِ بدمعٍ كالغمام

لَو تَرى طيبة عِندي هِمما

أَكتَسي مِنها بِأبهى ملبسِ

أَدخَلتني مِن رِضاها حَرَما

كلُّ مَن يدخلهُ لم يبأسِ

لكنِ الظنُّ بها ظنٌّ جميل

لَم يَزل يَزدادُ فيها أملي

عالمٌ أنّي أُرى فيها نزيل

يذهبُ العسرُ وتُشفى عللي

وَلِسانُ الدهرِ نادى مستحيل

إِذ بَدا فَقري وقلّت حيلي

قالَ ما أمّلتَ حتّى تغنَما

ومَتى تمّت أماني مفلسِ

قلتُ أمّلتُ النبيّ الأكرما

أَحتَسي مِن جودهِ ما أحتسي

سيّدُ الخلقِ لهُ الكلُّ عبيد

وَهوَ عبدُ الواحدِ الفرد الصمد

فائقٌ في فضلهِ فذٌّ وحيد

مُفردٌ في قربِ مولاهُ الأحد

أحمدُ الرسلِ لمولاه الحميد

أفضلُ الكلِّ وأعلاهُم رشَد

كانَ هذا الكونُ ليلاً مُظلما

وَمنَ الشرك الورى في غلسِ

فبصبحُ الحقِّ منه اِبتَسما

مُشرقاً من نوره لم يعبسِ

كلُّ آيِ الرسلِ من آياتهِ

قَد رَأى ذلكَ أربابُ العقول

قُل لِمَن يزعمُ مثلاً هاتهِ

ليسَ بينَ الخلقِ مثلٌ للرَسول

بدءُ هَذا الدهرِ مع غاياتهِ

فوقَ أَهليهِ لهُ حكمُ الشمول

وَبهِ خيرُ الوَرى قد حكَما

فهوَ في خدمتهِ كالحَرسي

إِن يُرِد يُقدم وإلّا أحجما

لَم يخالِف فعلَ عبدٍ كيّسِ

ليلةُ المِعراجِ لم يحظَ بها

غيرهُ في سالفِ الدهرِ كريم

كَم بِها نالَ اِختِصاصاً وبها

لَم يُقاربه خليلٌ وكليم

وَيح غمرٍ جاهلٍ ما اِنتبها

لاِقتدارِ اللَّه مولانا العظيم

قَد رَقى العرشَ بجسمٍ بعدما

أمَّ بالرسلِ ببيتِ المقدسِ

تَرَكَ السدرةَ خلفاً وسما

وَبِها خلّف روحَ القدسِ

وَإِلى مكّة للبيتِ اِنثنى

ذا اِبتِهاجٍ قبل إشراق الصباح

بَعدما نالَ منَ اللَّه المُنى

وَحباهُ كلّ فوز ونجاح

وَرَأى المَولى فأولاهُ الغِنى

وَلهُ دامَ الهنا والإنشراح

جوهرٌ فَردٌ تعالى قيَما

بِجحودٍ قدرهُ لم يبخسِ

بحرُ فَضلٍ فاضَ حتّى عمّما

لَم يدَع بينَ الورى من يبسِ

إنّما الخلقُ لمَولاهم عيال

وَهوَ عنهُ نائبٌ في خلقهِ

يرزقُ الكلَّ الكريمُ المُتعال

وهوَ قسّامٌ لجاري رزقهِ

هذهِ الشمسُ كبدرٍ وهلال

وَنُجومٌ لمعةٌ من برقهِ

كانَ عندَ اللَّه نوراً أعظما

وَالوَرى بعدُ بعُدمٍ مكتسي

خُلقوا منهُ فنالوا مغنما

كلُّ فردٍ فائزٌ بقبسِ

ثمّ لمّا ظَهروا هذا الظهور

آمنَ البعضُ وبعضٌ جحدوا

ليسَ بِدعاً جحدُهم أعظمَ نور

منهُ قبلَ اليومِ قدماً وجدوا

هذهِ العينُ بها عنها سُتور

وَتَرى مَن قرُبوا أَو بعُدوا

ما تفيدُ العينُ إن عمّ العمى

عينَ قَلبٍ مظلمٍ منتكسِ

وَلِسانٌ ناطِقٌ مهما نما

ليسَ يُجدي مَع فؤادٍ أخرسِ

كَم جَمادٍ في الورى كما حيوان

كَضبابٍ وذئابٍ وظباء

صدّقتهُ وأقرّت باللِسان

أنّهُ المرسلُ مِن ربِّ السماء

إنّما اللَّهُ المُعينُ المُستعان

مَن يَشأ يُضلِل ويَهدي مَن يشاء

لَم نَزَل نَحمدهُ أَن أنعَما

وَهَدانا بالنبيّ الأنفسِ

نَحنُ لَو لَم ينفِ عنّا الظُلما

لَم نزَل مِن غيّنا في حندسِ

وَهوَ مِن بعدُ على اللَّه كريم

فمَتى يَشفَع يشفّعهُ بنا

أَوَ ليسَ الصاحبَ الجاه العظيم

إِذ خليلُ اللَّه يَشكو ما جَنى

آدَمٌ نوحُ المسيحُ والكليم

قائلٌ كلٌّ أَنا نَفسي أنا

إِذ يَرَونَ الهولَ هولاً أعظَما

يَستَوي المُحسنُ فيهِ والمُسي

وَالوَرى في ليلِ كربٍ أظلما

كلُّ فَردٍ منهم في محبسِ

وَمَتى جاؤوهُ جاؤوا ماجدا

يَملأُ الدلوَ لعقد الكربِ

إِذ يُرى للَّه عبداً ساجدا

فَيقول اِرفَع وما شئت اِطلبِ

فَتَرى منهُ البرايا واحدا

شافِعاً قَد نالَ أقصى مطلبِ

وَبِهذا لَم يُخصّص مُسلما

كلُّ خلقِ اللَّه بالفضل كسي

وَاِستَوت شمسُ عُلاه عندَما

قالَ مَولاهُ على العرش اِجلسِ

يا أَبا الزهراءِ كُن لي مُسعدا

فَلَقد أَوهى زماني جَلَدي

لَستُ أَبغي مِن سواكَ المددا

أنتَ مِن بينِ الوَرى معتمدي

وَعَلى ضَعفي إِذا صال العدا

جاهُكَ الأعظمُ أَقوى عددي

أَدركَ اِدركنيَ ما دامَ الذما

لا تَدعني مضغةَ المفترسِ

أَنا واللَّه ضعيفٌ وفقير

باِحتياجٍ زائدٍ للمددِ

أَنا واللَّه ذليلٌ وحقير

إنّما عزّي أَتى من سيّدي

لَيسَ لي غيركَ في الناسِ مُجير

أَنتَ بعدَ اللَّه أقوى سندي

لا تَدَعني سيّدي مُهتضما

ليسَ عِندي مِن سهامٍ أو قسي

كلُّ مَن حارَبني أو ظلما

ما وَفى حقَّ الجنابِ الأقدسِ

يا عِمادي أنتَ أَدرى بالزمان

ما لأهليهِ وفاءٌ وعهود

كلّما اِخترتُ فتىً للصدق مان

قابَلوا المعروفَ منّي بالجحود

ضَعُفَ الإيمانُ فيهم والأمان

ودُّهُم مَذقٌ وجَدواهم وعود

ليسَ يُجديني جَداهُم إنّما

أَجتَدي مِن جودك المنبجسِ

فَأَجِبني وأجِرني كَرما

يا ملاذَ البائس المبتئسِ