القصيدة الطويلة

I

لا أرى سيداً في الجمع . البجع يتمطى في البحيرة ولا نسر في الأفق . المياه راكدة والضفاف أقرب من الأنف . الهواء ثقيل . النور ثقيل . الحمار ينطق ، لا بأعجوبة . الأعمى يبصر ، لا بأعجوبة . الميت يقوم . لا بأعجوبة . الأعجوبة رقم في آلة ، والسماء بقيت في المجاهل .

كنت صامتاً وأنا أتكلم . المرأة إلى جانبي رداء قاحل .

سأجرع الكأس ، والكأس فارغة . سأبتسم وفمي بلا شفاه . سأحصد حقلاً زرعته في الظلمة .

أنا الليل ، واللصوص ينتظرونني .

II

سأغرس زجاجة على الرصيف وأحسبها امرأة . قليلاً ، قليلاً من الدفء. جسدي بارد كاللعنة .

لألف سنة وأنا أمضغ القات . لألف سنة وأنا أركب جواداً ميتاً . لألف سنة وأنا بلا وجه . قناعي لوحة على قبر .

واليوم أنا سائح بلا هوية . نقودي مزيفة ورأسي بلا شعر .

وموكبي قصب تصفر فيه الريح .

III

على شاطئ لبنان وقفت أصرخ : إلى متى أموت ولا أموت ؟ إلى متى أنتظر الذي ودعني وقال : سأعود ؟ إلى متى أستقبل المد ، وعند الجزر أجلس على الحافة وأبكي؟ .

أريد أن أموت : ازرعني أيها الريح .

أريد عودة الحبيب : ارحمني أيها الموج .

أعشاب البرية تصلي بلا بخور . لا صليب في الهيكل . لا صورة على الحائط . مفتوحة هي الأبواب ولا من يدخل .

أجرني ، أيها الغائب .

الذئب يأكل وأنا أجوع . الحائط ينهض وأنا أقعد . الحجارة كومة من الشهوة واللهيب ، وأنا قطع من الجليد في إناء من الكحول .

أومئي أيتها الغبطة . طفلك يضحك فوق العشب . رجلك يركب ساقيه مع الريح . الوقت يقعد كسيحاً في شمس الخريف .

أنا هالك ، فمما أخاف ؟ أنا خالد ، فكيف تريدني أن أتبع ؟ .

VIII

لا ترقصوا على قبري . أنا لم أمت بعد . أتلفت منذ الفجر ، فلا بد من سيد في الجمع .

الجرذان عسكر في دولة الملك . سلاحها أرجل غرقت في سرير من الوحل.

لمن العيون الفستقية . لمن الكسل في الأرداف. لمن البطون العامرة بالهز، المترنحة كقصبة في الريح .

أنا الغابة الوديعة ، يقول الجبان . أنا مفرق الطريق ، يقول المقعد الكسيح.

كلماتي يابسة كالفحم ، سوداء كعربات موتى . والمعرفة التي سرقتها للناس، ستهوى معي إلى الهاوية .

IX

للهوان هذه الثمرة الساقطة . للهلاك هذه التربة الزائفة .

في حضرة العميان نحصي أصابعنا ، وأمام السلطان نصمت كالسجاجيد.

النسور تبني أعشاشها في الرمل ، وفي الوحل يصلي القديسون .

ارفعوا قبعاتكم ، أيها العاطلون عن العمل .

الوثن يجثم على قارعة الطريق ، ينشر قروحه في وجه الشمس . الوثن يمد خرطومه في وسطنا ، يحرك لسان القتل ، يحمل رائحة الأدغال ، يتمنطق بالرياح الصفر .

الوثن في البيوت ، ولا رماد في المواقد .

والثالوث الذي أرعبكم صار واحداً . خبزه حجر .