Memento Mori

كان حيّاً . أمسِ شقَّ الفجر عينيهِ،

مضى يحملُ قلباً ضاحكاً للنور، للدفء، مضى

يرفعُ زنداً، يضرب الأرض بكلتا قدميه،

يصفعُ الريحَ على خدّيه، يجري،

قيلَ نهرٌ دافقٌ، قيل سكونٌ

حرّتِ الرؤيا به. أو قيل شيءٌ

لا يكونُ الكونُ لولاهُ، أيمضي؟

هكذا، يمضي، ولا يمضي سواهُ.

يا إلهي . حينما ماتَ ألمْ

يشفعْ به حسنٌ؟ ألمْ يشفعْ

به سعيٌ إلى الأسمى؟

بلى، سعيٌ إلى الأسمى.

فيا ما مزّق الشوكُ يديهِ،

وقسا الدربُ عليهِ.

ولكم شيَّدَ، كم هدَّم، كم

ثار على الشيءِ، إذا ضنَّ، إذا

جفَّ، إذا هيضَ جناحاه.

وكم تاق إلى الفعل، فأعلى

هرماً، أو أنزل الله على الأرضِ.

إلهي، حينما مات ألمْ

يشفعْ به الوهمُ الذي كانا.

أما والآن قد مات، فهل

تحيا أمانيه؟ تناجيه عروسُ الجنِّ؟

تحمرُّ الثمار الخضر في الوادي؟

أيدري النجمُ؟ يأتيه

مجوسُ الشرق والغربِ؟

إلهي. أغلقِ القلبَ على السرِّ ودعني

أجمعِ الذكرى بعينَّي، بوعيي،

لا لأطويها.

” حياتي لم تعد شيئاً.

تُرى موتي هو الشيءُ؟”

ففي الموت عرفناه،

وما كنا عرفناه.

وحق الشيءِ أن يُعرفَ،

كالحب الذي يُعطى،

أو الخيرِ الذي يُرجى.

عرفناهُ؟

عرفنا ذاتنا فيهِ:

عالمٌ أوصدها النسيانُ: لا

وقعَ حصاةٍ، لا صدىً.

عالمٌ مات به جرحُ الخطايا.

ولكم كان يصلّي:

“مُدَّ لي يا ربُّ شطآنَ خلاصي.

ها أنا أركضُ في الأرض

وأقدامي حديدٌ، وعلى دربي حديدٌ،

خلّني أمشي على الماء قليلاً.

بعد حين يقفر الحيّ

وظلّي يستطيلُ.

هوذا الريحُ تعرّيني، تعرّي

جسدي، تُلهب روحي.

وصراخي بُحَّ في الغربةِ. آهٍ،

ليست الغربةُ مني،

لا ولا العودةُ مني.

ويدي حيرى وأطفالي

حفاةٌ فوق جفني.

مُدَّ لي يا ربّ شطآنَ خلاصي.”

هكذا كان يصلّي.

وفقدناه.

كانت الأرضُ شتاءً.

كان موج البحر يرتدُّ

عن الشطِّ عياءً.

كان جوعٌ وصقيعٌ

كان في المرعى ذئابٌ.

آهِ، كان الرعب في الحيّ شديداً.

بغبغابغ …

بغ … بغا … بغ

والكوى مغلقةٌ والسورُ ينهارُ

ووجهُ الشمس زورُ،

هل هي الأرض تدورُ؟

بغ … بغا … بغ

بغ …

بغبغا … بغ!

أتُرى هذا الذي مات إله؟

تذكرة الموت أو ميمنتو موري ‏ عبارة لاتينية تعني “تذكر موتك” أو “تذكر أنك ستموت”، وهي تشير إلى نوع من الأعمال الفنية التي كان الغالبية العظمى يقومون به بغرض التذكير بالموتى. وهو فن خلّاق يعود ظهوره إلى العصور القديمة. وغالبا ما تكون جمجمة أو ما شابهها حيث تتخذ لتذكر بالموت.