صديان يغلي في حشاه المرجل

صديان يغلي في حشاه المرجل

ترثي الجنوب له وتحنو الشمأل

هيهات تلهيه الطيور بشدوها

ويبلّ غلّته الرحيق السلسل

كابن الملوح لا يفرّ قراره

أبدا إلى ليلى يحنّ ويسال

يا لائمه سقيتم صاب الأسى

كفّوا متى بلّ الأوام الحنظل

هيمان كم ذكر الحمى وأقامه

وله وأقعده الهوى المتغلغل

وأغرورقت عيناه أو كادت فيا

لهوّى تطيب به النفوس وتكمل

وتجود بالغالي وسحقا لامرىء

لا يبذل الغالي النفيس ويبخل

بسبيل موطنيه وحبّ بلاده

هذا ولا عاش الخؤون المبطل

لهفان ها هو والظلام مخيّم

متلهّف في جنحه متعلّل

متعطش والذكريات هواتفٌ

تهفو بخافقه الحنون وتنهل

وتعربد الأحلام فوق جفونه

سحرا ويقيها الهوى المسترسل

يصبو ويبعث والنسيم رسوله

قبلا يكاد يذوب فيها المرسل

لمسارح وملاعب ومراتع

ومرابع فيها البدور الكمّل

شطّت وعانقت الرؤى أطيافها

وعليه في وادي الكرى تتنزّل

ولهان قد طبع الحنين بذهنه

صورا فدعه غارقا يتخيّل

صورا مجنّحة بريشة وهمه

تغري وتدبر في الخيال وتقبل

منها أطلّت ذكريات حلوة

بيض يقصّ روّاه وهي تؤول

حفّت بها الآمال سكرى والمنى

ودنت فكاد يضمّها فتقبّل

فهنا الطفولة والصبا وهنا الهوى

وهناك ملعبه وهذا المنزل

وهنا الأحبّة ودّعوه ها هنا

ومضى وراح بحسنها يتغزّل

نشوان إذا أصغى بأذن خياله

والوهم يملى والوداد يسجّل

والوجد يرفض في قرارة روحه

والشوق يعزف والفؤاد يرتل

فشدا له ناي وغنى شاعر

وترنّمت ورق ورجّع جدول

وتساءلت أمّ وذكر والد

ودعا أخو روح وأمّن محفل

واستفرت أخت ونادت طفلة

والكل منهم شقة ما يجمل

دنيا من الأوهام غاب سويعة

فيها وعاد وقلبه يتململ

متفائل لا البأس يعرف مدخلا

لفؤاده وهو الشجيّ فيدخل

صرع الشكوكَ بحزمه ويقينه

ومن الوساوس ما يحرّ ويقتل

فاسمعه يا هذا يحيّى موطنا

في جانحيه له المقام الأوّل

وطني فديتك عش ودم واسلم وطب

فحمائم السلم القريب ستهدل

والمجد باسمك يا ربوع مسبّح

والفخر يهتف والزمان يهلل