رماد الصدفة

“حسناً، سأخرجُ من وحدتي

لكن،

إلى أين؟”

– أدونيس –

…..

إلى أين ترحلين..

يتبعكِ بكاءُ الشوارعِ، وغربةُ القدّاحِ الأبيضِ

وندمُ روحي..

إلى أين تهربين.. من قصائدي

وهي تلاحقكِ في كلِّ مكانٍ

إلى أين تمضين بشعركِ الطويلِ

بعيداً عن فوضى أصابعي

كيف تكحّلين رموشَ عينيكِ الواسعتين

بلا مرايا عيوني

وكيف تطفئين ضوءَ غرفتكِ..، لتنامي

ونجومُ آهاتي على شباككِ لمْ تنمْ بعدُ

ماذا سأقولُ للشوارعِ، حين تسألني، غداً،

عن حفيفِ خطواتكِ

ماذا سأقولُ لذكرياتي، حين تبكيكِ في منتصفِ الليالي الموحشةِ

ماذا سأقولُ للمصطبات، حين ترى ظلي وحيداً

متكئاً على شيخوخةِ اليوكالبتوس

يتأملُ تساقط أوراق الخريف

ويحصي كمْ بقي له: من الأحلامِ والسنواتِ والبكاءِ…

سأحملُ هذهِ الحرقةَ التي تتركينها،

وأجوبُ المدنَ (إلى أين أمضي بذكرياتكِ؟)

أجوبُ الباراتِ (عمَنْ يطفئني؟)

أسائلُ العرّافاتِ (عن سرِّ رمادكِ الذي يتوهجُ؟)

أبوحُ للأصدقاءِ (لنْ أكابرَ هذه المرة)

أتعلّق بالبريدِ (لا عنوان لجنونكِ وحزني)

ألاحقُ الباصاتِ (مقعدكِ فارغٌ أبدا)

أتفرسُ في وجوهِ الفتياتِ (كلهنَّ يحملنَ ملامحكِ، ولكنْ أينَ أنتِ؟)..

أعرفُ أننا، ربما سنلتقي ذات يوم

أجل سنلتقي ذاتَ يومٍ

هكذا مصادفةً..

هكذا بكل برودِ المصادفاتِ، وبكل هولها وجنونها

مصادفةً (سأقولُ: لكِ أنَّ الحياة….َ

صدفةٌ كبيرةٌ

صدفةٌ غبيةٌ

صدفةٌ رائعةٌ

صدفةٌ لا معقولةٌ

إياكِ أنْ تفكري بها بعقلٍ يا مجنونتي!)

ربما سنلتقي..

في مصعدٍ مزدحمٍ أو فارغٍ إلاّ من وجيبِ أنفاسنا المتلاطمةِ

وأنتِ تصعدين باصَ الحبِّ

وأنا أنزلُ..

وأنت تفتشين عن رقمِّ كرسيكِ

في قاعةِ المسرحِ المظلمةِ

وأنا أفتشُ عن رقمِ ضياعي

وأنتِ تستعيرين كتابي من موظفةِ المكتبةِ

وأنا استعيرُ نظرةً منكِ

وراءَ زجاجِ الزعلِ المضبّبِ

…………

……………

أعرفُ أننا سنلتقي ذات يوم

مثلما افترقنا، صدفةً في صدفةٍ في صدفةٍ

ولكن بعد كلِّ هذا الغيابِ

بعد كلِّ نوافيرِ الحرقةِ المتفجرةِ في أحواضِ بكائي

أقادرٌ أنا ثانيةً أن أمسكَ لجامَ قلبي الصاهلِ

في براري حبكِ الشاسعة

*********