متى أنت يا وكني مسعدي

متى أنتَ يا وطني مُسعِدي

لقد أفلتَتْ همَّتي من يدي

هَجرْتُكَ لا الشوقُ يِدني إليكَ

ولا الصبرُ إن أدْعُهُ يُنجِدِ

وحاربتُ فيك الليالِي ومَنْ

يجاهِدْ ليالِيَه يَجهَدِ

فأمّا الشبابُ فملَّ المنى

وأمَّا الزمانُ فلم يُسعدِ

بلادُك فاحمِ حمى مجدِها

فإِن أَنتَ لم تَحمِ لم تُحمَدِ

ولا تستَبحْ عِرضَها فالوفاءُ

دَليلٌ على كَرَمِ المحتِدِ

عدمتُ المروءَة يومَ يُرادُ

فِدىً لبلادي ولا أفتدِي

إذا المرء مات فِدى موطنٍ

فقد ماتَ ميتة مُستَشْهَدِ

وأجدبَ عالي الرُّبى مُقفِرٍ

كثير الفدافد والأنجُدِ

إذا الطيرُ عاجت بهِ تستريحُ

ترامَتْ عَياءَ على الجَلمدَ

عبوس المعالم لا ينجلي

بصبحٍ دُجى ليلِهِ الأسودِ

خَلا من بَنِيه فليسَ بنوه

سوى رُحّلٍ أبداً شرّدِ

يجِدّ بنا البَينُ كرهاً على جِوارٍ

بذي لُجَجٍ مزبِدِ

جِوارٍ بها مثلُ ما في الضلوعِ

فلا بِدْعَ إن هي لم تبرُدِ

إذا شارفَتْ أرض لبنانَ هاجَت

بنا لوعَةُ الوالهِ المبعَدِ

وما راعنا البَيْنُ لَكِن بَكَينا

على جَبلٍ موحشٍ أجردِ

لقد أخلقَ الدهر مِن جِدّتيه

فأمسى لثوب البِلَى يرتدي

أجِلْ نظرةً فيه تُبصْر سماءً

تُطلُّ على أربُعٍ همَّدِ

منازل هاجَرَها أهلُها

إلى كل منتجعٍ أرغدِ

فليسَ سوى الطفلِ في مهده

وليس سوى العاجِزِ المُقعَدِ

مجالسُ للحكم ما أن تَضُمّ

سوى ذي مطامِعَ مسترفِدِ

موارد تنصبّ هَدْراً فما

تبرَّد من غُله الورّدِ

صوامع للدين مستوياتٌ

على قِمم للعُلى صعّدِ

ينعَّم رهبنها بالثراء

ويحرَمُ كلُّ فتىً أصيدِ

بنا منك يا وطني ما بنا

لواعجُ في الصدر لم تخمَدِ

شكوتَ النَّوى وشكونا الثَّواء

وَأيٌّ تَزِدْه أذىً يزدَدِ

أَقلّ رزايا بنيك مقامٌ

وصبرٌ على عيشك الأنكدِ

ورُبَّ فتىً عقَّه موطنٌ

فولّى إلى وطنٍ أبعدِ

ومن شاكه مضجعٌ لم ينم

ومن طلب الرزقَ لم يقعدِ

سلوا وطني أيُّ فضلٍ له

عليَّ سوى أنه مَوْلِدي

بلى كان كُفراً رحيليَ عنه

لَوِ اتَّهمتْ همتي مقصِدي

ولولا وفائي لأهلٍ كرامٍ

ولولا ثرى والدٍ أمجدِ

لهاجرته غيرَ ذي أوبةِ

فما نتلاقى على موعِدِ

أُحب بلادي ولو لم أنلْ

سوى الضيمِ منها ولم أعهَدِ

بلادُك كلُّ رجائِك فانهض

بها ما استطعتَ إلى السؤدُدِ

إذا قيل لبنان قل موطنُ

إلهي وصلّ له واسجُدِ