محاضر القوم لا تترك بها الأدبا

مَحاضِرُ القَومِ لا تَتْرُكْ بها الأدبا

فإنَّهُمْ لِشُؤُناتِ الخَفا رُقَبا

ولا تمِلْ عن طريقٍ أوضَحوهُ وكنْ

عبداً ذليلاً على الأقْدامِ مُنْتَصبا

واحْفظْ فُؤادكَ يا هذا بحضْرَتهِمْ

فَكمْ رأينا لهُمْ من طَوْرهِم عَجبا

كم جاءهُمْ جاهِلٌ والذُّلُّ يَصْحَبُه

فعادَ بالعِلمِ والخَيراتِ مُنْقَلبا

وكم أتى بِغُرورِ العلمِ مَجلِسهُمْ

شَخْصٌ فَرُدَّ سَقيمَ الرَأي مُكْتَئبا

حياةُ أسرارِهمْ للجاحدينَ طَوَوْا

في طيِّ أنيابِها في الرَّمْشَةِ العَطبا

مَنابِرُ الغَيْبِ تَبنيها عَزائمهُمْ

وكم وكَمْ شامخٍ في عَزمهِمْ خَرُبا

وكم فقيرٍ أتاهُمْ مُخلصاً ولِهاً

صارَ التُّرابُ له في تِبْرِهم ذَهَبا

وكم مَليٍّ من الأعراضِ طارَدهُمْ

طَوَوْا بأعراضِهِ من بأسِهمْ لَهَبا

لله عَزْمُهُمُ الفَعَّالُ كم فَعَلا

لله كفُّهمُ الفَيَّاضُ كم وهَبَا

للهِ كم غالِبٍ ردَّوهُ مُنغلِباً

وكم كسيرٍ بهم أعداءهُ غَلَبَا

أهلُ السُّيوفِ التي في غِمدِها قطَرَتْ

دماً منها نِصالُ القطعِ ما انْسَحَبَا

يُزحْزِحونَ الأَعادي عن مَراتِبِهم

إِنْ باعدَ الخصمُ في الأَقطارِ أَو قرُبَا

الفاتِكونَ بأسرارٍ مجرَّدَةٍ

والنَّاسِكونَ وسِتْرُ الليلِ ما انْجَذَبَا

والواهِبونَ الأَيادي من مكارِمِهِمْ

والمالِئونَ قُلوباً في الدُّجا رَهَبَا

والمُجهِدونَ بخيْلٍ لا عِنانَ لها

والكاتِبونَ بأَقلامٍ ومن كَتَبَا

والآخِذونَ إلى ربِّ العُلى سبباً

ياما أُحيلاهُ في تعريفِهِ سبَبَا

ونحنُ آلُ أبي العبَّاسِ سلسِلَةٌ

قد أَنجبَتْ في مباني نَظْمِها النُّجُبَا

ما ماتَ شيخُ العُرَيْجا جلَّ محضرُهُ

أَنَّى يموتُ وأَبقى مِثلنا عقَبَا

ورِثْتُهُ بمعانيهِ ورِفْعَتِهِ

وقد نصبْتُ له فوقَ السُّها طنَبَا

أَنا ابنُهُ واللَّيالي البيضُ شاهِدَةٌ

بأَنَّ قلبي لغيرِ اللهِ ما انقلَبَا

دعِ الحَسودَ على أَسقامِ باطِنِهِ

قد يستلِذُّ حِكاكَ الجلدِ مَنْ جَرُبَا

إِنَّ الخَواتيمَ في طيِّ الغُيوبِ لنا

كذا لنا اللهُ في منشورِنا كتَبَا