ولما توسطنا البطاح عشية

ولمَّا توسَّطْنا البِطاحَ عشيَّةً

ولاحَتْ لنا الأَنْوارُ في حيِّها الأسمَى

فرشْنا خُدوداً في الثَّرى حُرمَةً لها

رُبوضاً على الأَعْتابِ في الحضرَةِ العُظْمى

وبِتْنا بها طيًّا ومن كانَ عاشِقاً

ونالَ التَّلاقي لا يَجوعُ ولا يَظْما

من الغيبِ سُمِّينا عبيدَ عُبَيْدِهِمْ

لنا صحَّ هذا الحَظُّ في عالمِ الأَسْمَا

ونحنُ على العهدِ القَديمِ ولم نزَلْ

ولا هندَ نَبْغي بعدَ ذاكَ ولا سلْمى

وكم يدَّعي حُبَّ الأَحبَّةِ مِثْلَنا

أُناسٌ ولكنْ في الهَوَى أَخطَأُ والمَرْمى

عَشِقْناهُمُو لا للوُجوداتِ كلِّها

ولم نبغِ إِلاَّ من محَبَّتِهِمْ سَهمَا

علِمْنا بهِمْ سِرَّ الغَرامِ تفَنُّناً

فيا رَبِّ زِدْنا في محبَّتِهِمْ علْمَا

فمن جَعَلَ الأَكوانَ هَمًّا فإنَّنا

جَعَلْناهُمُو في كلِّ آوِنَةٍ هَمَّا

هو الحُبُّ قِدْماً قبلَ تكوينِ طِينِنا

سَرَيْنا على مِنْوالِ قِسمَتِنا قِدْمَا

ألا يا نُجومَ اللَّيْلِ لا تَعْبَثي بِنا

فخَلِّ لنا الآفاقَ إذْ نَخْتَلِ عَتْمَا

لنخلَعَ في الحُبِّ العِذارى تهَتُّكاً

وننظِمَ في أَشواقِ ساداتِنا نَظْمَا

ويا عَذَباتِ البانِ من جانِبِ اللِّوا

أَفيضي لنا من نَشْرِ مِعْطارِهِمْ شمَّا

تُحارِبُنا الأَيَّامُ بالبُعْدُ عنهُمُ

إلى كم أما قد آنَ نلْقَها سِلْمَا

وللقَلبِ أطوارٌ وفي الصَّبرِ مِنحَةٌ

ولكنْ تَفانَى ما رأَيْنا له عَزْمَا

وجمرُ الجَوَى والبُعْدِ وَيْلاهُ والنَّوى

أسالَ الدِّمَا منَّا وقد أوهَنَ العَظْمَا

كأنَّ وُرودَ النَّارِ في أَمرِ بعدِهِمْ

من الغيبِ مَقْضِيًّا نَراهُ لنا حُتْمَا

وأيَّامِ قربٍ ساعَدَتْنا بوصْلِهِمْ

وعُدوانِ أيَّامٍ قضَتْ هَجرَهُمْ ظُلْمَا

فَنينا بهِمْ عنَّا وعن كونِ غيرِنا

ومن كانَ مرمِيًّا هلِ العَدْلُ أن يُرمَى

وأينَ لهُمْ من حُجَّةٍ في شُؤُنِهِمْ

وشيخُ هَوانا المَحْضِ ما أُتِيَ الحُكْمَا

صبيُّ مَعانيهِمْ علينا مُحَكَّمٌ

ولا ظُلْمَ منهُمْ كيفَ شَأُوا ولا إثْمَا

ولكنْ دَواعي الحُبِّ تَدْفَعُنا إلى

بَيانِ دَعاوينا ولم نكتَسِبْ جُرْمَا

سَلامٌ عليهِمْ نحنُ طَوْعُ يَمينِهِمْ

رَضِينا بما يَرْضَوْنَهُ في الهَوَى حَكْمَا

لعلَّ وليتٌ في المحبَّةِ أو عَسى

شُؤُناتُ ظَنٍّ في الهَوَى امْتَلأَتْ وَهْمَا

نعمْ إنَّنا منهُمْ وفِطرَةُ جِنْسِنا

غدَتْ عِلَّةً في النَّحوِ تستَلْزِمُ الضَّمَّا

وهذا هو المَأْمولُ من طَوْلِ عِزِّهِمْ

جعلْناهُ في بدءِ النِّظامِ لنا خَتْمَا