ولهان ذو خافق رقت حواشيه

ولهان ذو خافق رقّت حواشيه

يصبو فتنشره الذكرى وتطويه

كأنّه وهو فوق الغصن مضطرب

قلب المشوق وقد جدّ الهوى فيه

رأى الربيع وقد أودى الخريف به

بين الطيور كميت بين أهليه

فراح يرسلها أنّات محتضر

إلى السماء ويشكو ما يعانيه

لا الروض زاه ولا الاكمام باسمة

ولا عرائسه سكرى فتلهيه

يجيل ناظره فيه ويطرق في

صمت فيجيه مرآه ويبكيه

ماذا رأى غير أعوادٍ مبعثرة

على هشيم به وأرى أمانيه

فللخريف صراخ فيه يذعره

والريح تزفر في شتى نواحيه

حيران ما انفك مذهولا كمتهم

لم يجن ذنبا ولم ينجح محاميه

تطل من كوّة الماضي عليه وقد

أشجاه حاضره أطياف ماضيه

يرنو إليها كما يرنو المريض وما

أبلّ بعد إلى عيني مداويه

فيستمرّ نواحاً كالفطيم رأى

نديا فصاح وأين الثدي من فيه

وإن غفا راحت الأحلام عابثة

به فتدنيه أحيانا وتقصيه

وكم تراءت له من خلفها صور

يختال فيها الربيع البكر في تبه

فيستفيق فلا الأغصان مورقة

كلا ولا السامر الشادي يناجيه

فيسكب اللحن أنّاتٍ بغصّ بها

ويح الشتاء فما أقسى لياليه

ولّى الشتاء فوافى الدوح بلبله

وجاء آذار بالبثرى يهنيه

وأقبلت سحرا نشوى نسائمه

تهفو وتلثمه شوقا فتشفيه

واستقبل الروض بالأطياب شاعره

وهبّت الطير أسراباً تحبيه

فأين داوود من أثغام مطربه

وأين معبد من ألحان شاديه

جذلان يظفر من غصن إلى غصن

وبسمة الصبح بالإنشاد تغريه

فيورد الشعر آيات يرتلها

من وحي نيسان والأوتار ترويه

الروح تهفو لموسيقاه في مرح

والقلب يرشف أحلاما معانيه

تكاد تسمع فيه حين يرسله

دقات خافقه والوجد يكويه

وتلمح الفنّ في دنيا ترنمه

وتشرب السحر خمرا في تغنيّه

سكران يرقص فوق الدوح مبتهجا

والورق راد الضحى ولهى تصابيه

الفجر خماره يبدو فيصبحه

والروض معشوقه والأيك ناديه

رفّت على الورد والريحان شادية

أحلامه وبها خفّت أغانيه

حنا الربيع عليه وهو في جذل

كالطفل حين يناغيه مربيه

ذر الطبيعة يا هذا تدلله

ذره بأحضانها يشدو وتسقيه

ذرة وأفراخه في العش مغتبطا

بقربها ناعما دعها تناغيه