ماذا دعاك إلى التذكر

ماذا دعاكَ إلى التَّذكُّرِ بعدما

ركضَ الزَّمانُ بسيفِ بينٍ مُصْلَتِ

قد كان عهدًا غابرًا عَصفتْ به

رِيحُ الفراقِ فلم يكن بالمُفْلِتِ

هل عائدٌ مِن بعدِ أنْ شحطَ النَّوى

وتقطَّعتْ حِيَلُ الوصالِ وأبْلتِ

وتشتَّتَتْ سُبلُ المزارِ فما لها

حادٍ فيهديَها إذا هيَ ضلَّتِ

ما أسرعَ الأيامَ في وثباتِها

وأشدَّها بطشًا إذا هيَ ولَّتِ

قد كنتُ آمُلُ أن يعودَ وصالُنا

والعينُ تَذري الدَّمعَ حتى ملَّتِ

تاللهِ ما زال الفؤادُ بذِكرِها

يَشْجَى وإنْ رُسُلُ الوشايةِ حلَّتِ

لا أدَّعي زُورًا ولكنْ أيقنتْ

منِّي ومنها النَّفسُ حين أقلَّتِ

قد كنتُ فيما قبلُ أزعمُ أنَّها

سيَحِينُ منها الوصلُ إنْ هيَ أوْلتِ

فزجرتُ قلبي حين طال تصبُّري

فأبَى وشَدَّ وسارَ حيثُ تولَّتِ

مترقِّبًا يتلو ترانيمَ الهوى

مِن حيثُ ألقتْ سهمَها وتجلَّتِ

يومٌ به ضنَّ الزمانُ فأقصَـرَتْ

خطواتُه مِن حيثُ قَلَّ وقلَّتِ

نلهو بوصلٍ خَطَّ في سِفْرِ النَّوى

سطرينِ بل سطرًا وضلَّ فضلَّتِ

لو كان مِن عَوْدٍ لِذاكَ فمرحبًا

بالبِشـرِ والتَّرحاب حيثُ أهلَّتِ

لكنْ تأبَّى الدَّهرُ إلا لوعةً

جادت بها كفُّ الزمان فعلَّتِ

عَقدتْ لها الأيامُ عزمًا صادقًا

فأقرَّتِ الأشجانَ حين أظلَّتِ

أذكتْ لقلبِكَ جمرةَ الشَّوقِ التي

أوْلتْكَ منها مرَّتينِ وأصلَتِ

دسَّتْ بآيةِ بينِها وتكتَّمتْ

بل أفصحتْ عمَّا تخافُ وأجلَتِ

فقعدتَ تُحصـي النَّجمَ خلفَ رِكابِها

مِن حيثُ دلَّ على الظَّعينِ ودلَّتِ

وجرتْ بها حِجَجٌ يَطولُ بها المدَى

حتى استخفَّ بها الوشاةُ وأمْلَتِ

فطعنتُ في صدرِ الفراقِ بعَبرةٍ

ملتاعةٍ أحْمَتْه ثُمَّ تدلَّتِ

ولربَّما عاد الزمانُ كعَهدِهِ

فسَلَوتَ بَينًا جَلَّ حين تخلَّتِ