إليك فعيني دمعها ليس يقلع

إليكَ فعيني دمعُهَا ليس يُقلِعُ

إذاً وفؤادي بالكآبة مُولَعُ

ولِى كبدٌ حَرَّى تذوبُ كأنها

على ذَوْبِ مَهْلِ لا تَنِى تَتقطَّعُ

وأجفانُ عين بالبكاءِ قريحةٌ

مدى الدهرِ لا يَرْفها لها قطُّ مَدْمَعُ

وقلبٌ عدوٌّ للسلو وكيفَ لاَ

وربعُ الندى أضْحى سُدىً وهو بَلْقَعُ

لِمَوْتِ مَن استهدى به كل جاهل

فأضْحى حليفاً للهُدَى وهْو طَيّعُ

هو الشيخ عبد الله نسلُ محمدٍ

سليلٌ على الندبِ ذاكَ المُشقّعُ

بنفسي غريبِ الشكل والمثل مالَهُ

إلى الدين والدنيا سِوَى الزهد مشرعُ

بنفسي جوادٌ ليس ليس يُرْجى رجوعُه

فهلْ إلى رؤيا محيَّاهُ مَرْجِعُ

فما كنتُ أدرى قبلَ دننك في الثّرَى

وما خِلْتُ أنّ الشمس في القبر تُوضَعُ

فكلُّ مُصابٍ في الأنامِ فجيعةٌ

ولكنّه في أكرم الخلق أفجعُ

وكل حِمَامٍ نازلٍ فهو مُفْظِعٌ

ولكنه في أشرفِ الخلق أَفْظَعُ

وكلُّ ملمٍّ لا محالةَ موجعٌ

وإِن حلَّ في خير البرية أَوْجَعُ

كما ذكرُوا بيتاً من الشعر سالفاً

عن العالم الماضى سَمعناهُ يُرْفَعُ

وكلُّ كُسوف في الدرارى شنيعةٌ

ولكنه في الشمس والبدرُ أشْنَعُ

فهل بعدك الدنيا تطيبُ لعاقل

فكيف وأقوى من جنابك مَرْبَعُ

وكيف يلذُّ العيشُ بعدك للورَى

وأنتَ بأثوابِ الرغام مُلَقَّعُ

فيا لهفَ نفسي بعد موتِك سيدي

ويا حَرَّ قلبي لا يزال التوَجُّعُ

فمن للتقى والدين بعدك والهدَى

ومَنْ للندَى والجودِ والفضل بَشْرَعُ

سَقَى قبرك المانوسَ بالنور والهدَى

وبالعلمِ والتقوى سَحائِبُ هُمَّعُ

مُلِثّاً غزيراً دائمَ الوبل هاطَلا

كما قد سَفَتْهُ من جفوني أَدمْعُ

وخطبٌ تكادُ الأرض ترجُفُ خيفةَ

لديه وأشرافُ الرواسِي تُصَدَّعُ

فيا لك خطباً شَلَّ كلَّ مصيبةٍ

بحيثُ لديهِ كلُّ خطبٍ مُفَجَّعُ

لقد عمَّ أهلَ الأرض حزناً ولوعةً

فمن ذا الذي أمسَى ولا يتوجَّعُ

فلا غروَ أن أجريتُ مجرى مَدامِعي

نجيعاً وقد أوْدَى الولىُّ المشيّعُ

ولا غَرْوَ إن أمسيتُ حِلْف الأسى وقد

تناءى إِذاً عَنّي الحبيبُ المودِّعُ

ولا عَجبٌ إن أحرقَ الحزن مُهْجتي

إذا لم يكن لي في لقائِك مَطمَعُ

ولكن عجيبٌ إن تبسمتُ ضَاحِكاً

سلوَّا وما لي في رجوعِك مَهْيَعُ

أيَا نائياً بَرِّدْ حشاى بنظرةٍ

فإني بأدنى نظرةٍ منك أَقْنَعُ

وسَلْ فؤاداً طالَ ما قَدْ رأيتُه

فأضْحَى سقيماً وهْو ولْهَانُ مُوجَعُ

فبوَّأهُ الرحمنُ حضرةَ قدسِه

فأصبحَ في روض الرياحين يَرْنَعُ

وأصبح كلٌّ باكياً لمصابه

وأجفانُه قَرْحَى وعيناه تَدْمَعُ

لو أن البُكا يجدي بكيناهُ دهرنا

دما ولكنَّ البُكا ليس يَنْفَعُ

وفي رجب كانتْ وفاةُ ولينا

لنصفٍ مَضى في عدَّةٍ فاسمعوا وَعُوا

وألفٌ مضى من قبل حجةٍ

توالتْ ثلاثٌ بعدهن وأربَعُ

لهجرةِ هادينا النبيّ محمدٍ

هو المرتضى الزاكي الشفيعُ المشفّعُ

عليه صلاةُ الله ما ناحَ طائرٌ

وما شِيمَ بَرْقٌ بالسحائب يَلْمعُ

ولولا إِمامُ المسلمين لأصبحتْ

جيادُ الندى حَسْرَى أسىً وهي ظُلَّعُ

وأصبَح فرعُ العلم والدين ذاوياً

وربْعُ الندى عافى الربى وهْو أَسْفَعُ

وأصبح وجه الجودِ أغبر قاتماً

عديم المآقي وهْوَ أسودُ أَجْدَعُ

هو الشهم سلطان بن سيفِ بن مالكٍ

إمامُ الهدَى الزاكي الفتى المُتَورِّعُ

شُجاعٌ ترى الشجعانَ تَزْهق خيفةً

لديه وتهْوى حولَه وهْي خُضَّعُ

وتتجف الأرضونَ منه مخافةً

وشمُّ الرواسى من سَطاهُ تَضَعضَعُ

وتَعْنُو لهُ الأملاكُ بأساً وشدةً

ذوُو رِعدةٍ من حوله وهي خُشَّعُ

مليكُ ترَى الدنيا على حُكمِ كَفّه

فأصبحَ يُعطى مَن يشاءُ ويَمْنَعُ

جَوادٌ له كفٌّ تسيلُ مواهباً

وصدرٌ كوجْهِ الأرض بَلْ هو أَوْسَعُ

هُوَ البحرُ في الإحسان لا غَورُه يرى

هُو الغيثُ جوداً مُزْنُه ليس يَقْشَعُ