إثم البلاد

غادَرَتْني البلادُ التي غَدَرَتْ بالهوى

كان المكانُ يُلَمْلِمُ أَعْطافَهُ شارِداً

مُنْشَدِهاً بالطقوسِ الصَغيرةِ

وهيَ تُحاصِرَهُ بالخَرائِط

وكان المكانُ حَزيناً

مُنْتبِهاً للدُعُوصِ الكبيرةِ

وهيَ تُذَرْذِرُ كُثْبانَها سُؤْدَداً

وكنتُ أُوَدِّعُ نافِذتي

وأَجْلو غُبارَ المسافاتِ عَنْها

ويَمْسَحُ ظاهرُ كَفِّي

خَطْوَ النَدى فوقَها

وكانَ المكانُ يَموتْ

**   **   **

فاجأَتْني البلادُ التي فُوجِئَتْ بالنوى

كان المساءُ يَنُثُّ بُرودَتَه الحارقةْ

وكنتُ أُلَمْلِمُ نَفسيَ خَجْلى

كي لا أُقْسّم جسمي عَجْلى

بينَ الجُسومِ الكثيرةِ

وهيَ تَجوبُ التُخومَ البَعيدةَ

ثُمَّ وهيَ تَعودْ

وأُوُشِكُ أَنْ أَسْتَميتْ

**   **   **

غيَّرَتْني البلادُ التي غُيِّرت ْ

لمْ يكنْ قاسِياً

ولا مُبْتَغى أَنْ أَموتْ

لمْ يَكنْ ما أُريدْ

وَما كانَ لي ما أُريدُ

وما لا أُريدْ

فانْخَرَطْتُ حِياداً

في المفازةِ أَسْعى إِلى الماءِ

ورُحْتُ أُجَرْجِرُ صَبْري وَرائيَ يَأْسَاً

وَأُوَدِّعُ يَأْسي في الجُبِّ صَبراً

ورُحْتُ أُهَيّئُني

للفراقِ الأَكيدْ

ورُحْتُ أُفارِقُ إِرْثي

وأَطْوي المسافاتِ طَيّاً

والحداءُ الحزينُ

يُوَدِّعُ صَمْتَ البلادِ وَرائي

**   **   **

راوَدَتْني البلادُ

وراوَدْتُها عنْ نَفْسِها

وهَمَّتْ بي

وهَمَمْتُ بِها

ولكنَّها أَيْقَنَتْ

أَنْ لاخَلاصَ بِغَيْري

وَأَيْقَنْتُ أَنْ لا سبيلَ إِليْها

سِوى أَنْ أَكونَ السبيل

**   **   **

قلتُ

سَآوي إِلى جَبَلٍ منْ كلامٍ

لِيَعْصِمَ ضَعْفي

وَقالتْ بِلاديَ في الفُلْكِ:

هيت لكْ

ورُحْتُ أُغَنّي.

 

 

(من كتاب؛ إثم البلاد)