مذكرات الصوفي بشر الحافي

0 تقييم

مذكرات الصوفي بشر الحافي

(أبو نصر، بشر بن الحارث، كان قد طلب الحديث، وسمع سماعاً كثيراً، ثم مال إلى التصوف، ومشى يوماً في السوق، فأفزعه الناس، فخلع نعليه، ووضعهما تحت إبطيه، وانطلق يجري في الرمضاء، فلم يدركه أحد، وكان ذلك سنة سبع وعشرين ومائتين)

1

حين فقدنا الرضى

بما يريدُ القضا

لم تنزل الأمطارْ

لم تُورِق الأشجارْ

لم تلمع الأثمارْ

حين فقدنا الرضا

حين فقدنا الضحِكا

تفجرت عيوننا … بُكا

حين فقدنا هدأة َالجنبِ

على فراش الرضا الرحبِ

نام على الوسائدِ

شيطانُ بغضٍ فاسدِ

معانقي، شريك مضجعي، كأنما

قرونه على يدي

حين فقدنا جوهَر اليقينْ

تشوّهت أجنةُ الحبالى في البطونْ

الشَّعر ينمو في مَغاور العيونْ

والذقن معقود ٌعلى الجبينْ

جيل من الشياطينْ

جيل من الشياطينْ

2

احرصْ ألا تسمعْ

احرصْ ألا تنظرْ

احرصْ ألا تلمسْ

احرصْ ألا تتكلمْ

قفْ!…

وتعلّقْ في حبل الصمت المبرمْ

ينبوع القول عميقْ

لكن الكفَّ صغيرةْ

من بين الوسطى والسبابة والإبهامْ

يتسرّب في الرملِ .. كلامْ

3

ولأنك لا تدري معنى الألفاظِ، فأنت تناجزني بالألفاظ

اللفظُ حَجَرْ

اللفظ منيّهْ

فإذا ركّبت كلاماً فوق كلامْ

من بينهما استولدتَ كلامْ

لرأيت الدنيا مولودًا بشعاً

وتمنيتَ الموتْ

أرجوكْ …

الصمتِ …

الصمتْ!

4

تظلُ حقيقةٌ في القلب توجعه وتضنيه

ولو جفّتْ بحارُ القول لم يُبْحرْ بها خاطرْ

ولم ينشر شراعَ الظنّ فوق مياهها ملّاحْ

وذلك أن ما نلقاهُ لا نبغيه

وما نبغيه لا نلقاهْ

وهل ُيرضيك أن أدعوكَ يا ضيفي لمائدتي

فلا تلقى سوى جيفَهْ

تعالى اللهُ، أنت وهبتنا هذا العذابَ وهذه الآلامْ

لأنك حينما أبصرتنا لم نحلُ في عينيكْ

تعالى الله، هذا الكون موبوءٌ، ولا بُرْءُ

ولو ينصفنا الرحمنُ عجّلَ نحونا بالموتْ

تعالى الله، هذا الكونُ لا يصلحه شيءُ

فأين الموتُ؟ أين الموتُ؟ أين الموتْ؟

5

شيخي “بسام الدين” يقولْ:

“يا بشرُ .. اصبرْ

دنيانا أجمل مما تذكرْ

ها أنتَ ترى الدنيا من قمّةِ وجدِكْ

لا تبصر إلا الأنقاض السوداءْ”

ونزلنا نحو السوقِ أنا والشيخْ

كان الإنسان الأفعى يجهد أن يلتفَّ على الإنسان الكركي

فمشى من بينهما الإنسان الثعلبْ

عجباً،…

زورُ الإنسانِ الكركي في فك الإنسان الثعلب

نزلَ السوقَ الإنسانُ الكلبْ

كي يفقأ عينَ الإنسان الثعلبْ

ويدوسُ دماغ الإنسان الأفعى

واهتز السوقُ بخطواتِ الإنسان الفهدْ

قد جاء ليبقرَ بطنَ الإنسان الكلبْ

ويمصّ نخاعَ الإنسانِ الثعلبْ

يا شيخي بسامَ الدين

قلْ لي .. “أين الإنسانُ .. الإنسانُ؟”

شيخي بسام الدين يقول:

“اصبرْ … سيجيء

سيهلُّ على الدنيا يوماً ركْبُه”.

يا شيخي الطيب!

هل تدري في أي الأيام نعيشْ؟

هذا اليوم الموبوءُ هو اليوم الثامن

من أيامِ الأسبوع الخامسْ

من الشهر الثالث عشر

الإنسان الإنسانُ عَبَرْ

من أعوام

ومضى لم يعرفهُ بشرْ

حَفرَ الحصباءَ ونامْ

وتغطى بالآلام ….